الطمأنينة اليه فى هذه المضايق أعظم ودلالته أتم فلأى شىء نفيت مدلوله أو توقفت وأعدت هذه الصفات كلها الى الارادة مع أن النصوص لم تفرق فلا يذكر حجة الا عورض بمثلها فى اثباته الارادة زيادة على الفعل
الثالث يقال له اذا قال لك الجهمى الارادة لا معنى لها الا عدم الاكراه أو نفس الفعل والأمر به وزعم أن اثبات ارادة تقتضى محذورا ان قال بقدمها ومحذورا ان قال بحدوثها
وهنا اضطربت المعتزلة فانهم لا يقولون بارادة قديمة لامتناع صفة قديمة عندهم ولا يقولون بتجدد صفة له لامتناع حلول الحوادث عند أكثرهم مع تناقضهم
فصاروا حزبين البغداديون وهم أشد غلوا فى البدعة فى الصفات وفى القدر نفوا حقيقة الارادة وقال الجاحظ لا معنى لها الا عدم الاكراه وقال الكعبى لا معنى لها الا نفس الفعل اذا تعلقت بفعله ونفس الأمر اذا تعلقت بطاعة عباده
والبصريون كأبى على وأبى هاشم قالوا تحدث ارادة لا فى محل فلا ارادة فالتزموا حدوث حادث غيرمراد و قيام صفة بغير محل
وكلاهما عند العقلاء معلوم الفساد بالبديهة
كان جوابه أن ما ادعى احالته من ثبوت الصفات ليس بمحال والنص قد دل عليها والعقل ايضا فاذا أخذ الخصم ينازع فى دلالة النص أو العقل جعله مسفسطا أو مقرمطا وهذا بعينه موجود فى الرحمة والمحبة فان خصومه ينازعونه فى دلالة السمع والعقل عليها على الوجه القطعى
ثم يقال لخصومه بم اثبتم أنه عليم قدير فما اثبتوه به من سمع وعقل فبعينه تثبت الارادة وما عارضوا به من الشبه عورضوا بمثله فى العليم والقدير واذا انتهى الأمر الى ثبوت المعانى وأنها تستلزم الحدوث أو التركيب والافتقار كان الجواب ما قررناه فى غير هذا الموضع فان ذلك لا يستلزم حدوثا ولا تركيبا مقتضيا حاجة الى غيره
ويعارضون أيضا بما ينفى به أهل التعطيل الذات من الشبه الفاسدة ويلزمون بوجود الرب الخالق المعلوم بالفطرة الخلقية والضرورة العقلية والقواطع العقلية واتفاق الأمم وغير ذلك من الدلائل ثم يطالبون بوجود من جنس ما نعهده أو بوجود يعلمون كيفيته فلابد أن يفروا الى اثبات ما لا تشبه حقيقته الحقائق فالقول فى سائر ما سمى ووصف به نفسه كالقول فى نفسه سبحانه وتعالى
و نكتة هذا الكلام أن غالب من نفى وأثبت شيئا مما دل عليه الكتاب والسنة لابد أن يثبت الشىء لقيام المقتضى وانتفاء المانع وينفى الشىء لوجود المانع أو لعدم المقتضى أو يتوقف اذا لم يكن له عنده مقتض ولا مانع فيبين له أن المقتضى فيما نفاه قائم كما أنه فيما أثبته قائم اما من كل وجه أو من وجه يجب به الاثبات فان كان المقتضى هناك حقا فكذلك هنا والا فدرء ذاك المقتضى من جنس درء هذا
وأما المانع فيبين أن المانع الذى تخيله فيما نفاه من جنس المانع الذى تخيله فيما اثبته فاذا كان ذلك المانع المستحيل موجودا على التقديرين لم ينج من محذوره باثبات أحدهما ونفى الآخر فانه ان كان حقا نفاهما وان كان باطلا لم ينف واحدا منهما فعليه أن يسوى بين الأمرين فى الاثبات والنفى ولا سبيل الى النفى فتعين الاثبات
فهذه نكتة الالزام لمن أثبت شيئا وما من أحد الا ولابد أن يثبت شيئا أو يجب عليه اثباته فهذا يعطيك من حيث الجملة أن اللوازم التى يدعى أنها موجبة النفى خيالات غير صحيحة وان لم يعرف فسادها على التفصيل وأما من حيث التفصيل فيبين فساد المانع وقيام المقتضى كما قرر هذا غير مرة
فإن قال من أثبت هذه الصفات التى هى فينا أعراض كالحياة والعلم والقدرة ولم يثبت ما هو فينا أبعاض كاليد والقدم هذه أجزاء وأبعاض تستلزم التركيب والتجسيم
قيل له وتلك أعراض تستلزم التجسيم والتركيب العقلى كما استلزمت هذه عندك التركيب الحسى فان أثبت تلك على وجه لا تكون أعراضا أو تسميتها أعراضا لا يمنع ثبوتها قيل له وأثبت هذه على وجه لا تكون تركيبا وأبعاضا أو تسميتها تركيبا وأبعاضا لا يمنع ثبوتها
فإن قيل هذه لا يعقل منها الا الاجزاء
قيل له وتلك لا يعقل منها الا الاعراض
فإن قال العرض ما لا يبقى وصفات الرب باقية قيل والبعض ما جاز انفصاله عن الجملة وذلك فى حق الله محال فمفارقة الصفات القديمة مستحيلة فى حق الله تعالى مطلقا والمخلوق يجوز أن تفارقه أعراضه وأبعاضه فإن قال ذلك تجسيم والتجسيم منتف قيل وهذا تجسيم والتجسيم منتف
¥