تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإن قال أنا أعقل صفة ليست عرضا بغير متحيز وإن لم يكن له فى الشاهد نظير قيل له فاعقل صفة هى لنا بعض لغير متحيز وإن لم يكن له فى الشاهد نظير فان نفى عقل هذا نفى عقل ذاك وان كان بينهما نوع فرق لكنه فرق غير مؤثر فى موضع النزاع ولهذا كانت المعطلة الجهمية تنفى الجميع لكن ذاك أيضا مستلزم لنفى الذات ومن أثبت هذه الصفات الخبرية من نظير هؤلاء صرح بأنها صفة قائمة به كالعلم والقدرة وهذا ايضا ليس هو معقول النص ولا مدلول العقل وانما الضرورة ألجأتهم الى هذه المضايق

وأصل ذلك أنهم أتوا بألفاظ ليست فى الكتاب ولا فى السنة وهى ألفاظ مجملة مثل متحيز و محدود و جسم و مركب ونحو ذلك ونفوا مدلولها وجعلوا ذلك مقدمة بينهم مسلمة ومدلولا عليها بنوع قياس وذلك القياس أوقعهم فيه مسلك سلكوه فى اثبات حدوث العالم بحدوث الأعراض أو اثبات امكان الجسم بالتركيب من الأجزاء فوجب طرد الدليل بالحدوث والامكان لكل ما شمله هذا الدليل اذ الدليل القطعى لا يقبل الترك لمعارض راجح فرأوا ذلك يعكر عليهم من جهة النصوص ومن جهة العقل من ناحية أخرى فصاروا أحزابا تارة يغلبون القياس الأول ويدفعون ما عارضه وهم المعتزلة وتارة يغلبون القياس الثانى ويدفعون الأول كهشام بن الحكم الرافضى فإنه قد قيل اول ما تكلم فى الجسم نفيا واثباتا من زمن هشام بن الحكم وأبى الهذيل العلاف فان أبا الهذيل ونحوه من قدماء المعتزلة نفوا الجسم لما سلكوا من القياس فعارضهم هشام وأثبت الجسم لما سلكوه من القياس واعتقد الأولون احالة ثبوته واعتقد هذا احالة نفيه وتارة يجمعون بين النصوص والقياس بجمع يظهر فيه الاحالة والتناقض

فما أعلم أحدا من الخارجين عن الكتاب والسنة من جميع فرسان الكلام والفلسفة الا ولابد أن يتناقض فيحيل ما اوجب نظيره ويوجب ما أحال نظيره اذ كلامهم من عند غير الله وقد قال الله تعالى ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا

والصواب ما عليه أئمة الهدى وهو أن يوصف الله بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله لا يتجاوز القرآن والحديث ويتبع فى ذلك سبيل السلف الماضين أهل العلم والايمان والمعانى المفهومة من الكتاب والسنة لا ترد بالشبهات فتكون من باب تحريف الكلم عن مواضعه ولا يعرض عنها فيكون من باب الذين اذا ذكروا بآيات ربهم يخرون عليها صما وعميانا ولا يترك تدبر القرآن فيكون من باب الذين لا يعلمون الكتاب الا أمانى فهذا أحد الوجهين وهو منع أن تكون هذه من المتشابه

الوجه الثانى أنه اذا قيل هذه من المتشابه أو كان فيها ما هو من المتشابه كما نقل عن بعض الأئمة أنه سمى بعض ما استدل به الجهمية متشابها فيقال الذى فى القرآن أنه لا يعلم تأويله الا الله اما المتشابه واما الكتاب كله كما تقدم ونفى علم تأويله ليس نفى علم معناه كما قدمناه فى القيامة وأمور القيامة وهذا الوجه قوى ان ثبت حديث ابن اسحاق فى وفد نجران أنهم احتجو على النبى بقوله إنا و نحن ونحو ذلك ويؤيده أيضا أنه قد ثبت أن فى القرآن متشابها وهو ما يحتمل معنيين وفى مسائل الصفات ما هو من هذا الباب كما أن ذلك فى مسائل المعاد وأولى فان نفى المشابهة بين الله وبين خلقه أعظم من نفى المشابهة بين موعود الجنة وموجود الدنيا

وإنما نكتة الجواب هو ما قدمناه أولا أن نفى علم التأويل ليس نفيا لعلم المعنى ونزيده تقريرا أن الله سبحانه يقول ولقد ضربنا للناس فى هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون قرآنا عربيا غير ذى عوج وقال تعالى الر تلك آيات الكتاب المبين إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون فأخبر أنه أنزله ليعقلوه وأنه طلب تذكرهم

وقال أيضا وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون

فحض على تدبره وفقهه وعقله والتذكر به والتفكر فيه ولم يستثن من ذلك شيئا بل نصوص متعددة تصرح بالعموم فيه مثل قوله أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها وقوله أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ومعلوم أن نفى الاختلاف عنه لا يكون الا بتدبره كله والا فتدبر بعضه لا يوجب الحكم بنفى مخالفه ما لم يتدبر لما تدبر

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير