تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[محمد حاج عيسى]ــــــــ[19 - 09 - 06, 09:19 م]ـ

المطلب الرابع:

القضايا المتعلقة بالقدر

16 - التصريح بالجبر

قال المصنف (153): «…إنما اختلف الفريقان لاختلاف ما أراده الله عز وجل لهم».

أقول: مثل هذا الإطلاق لا يجوز لأنه يتضمن تغليب الإرادة الكونية على الإرادة الشرعية، ولكن الواجب هنا التفصيل وأن يقال إن الله أراد ذلك قدرا، أما شرعا فهو يريد لجميع الناس التطهير والهداية وخلقهم لعبادته. والمحقق هنا بدل التعقيب أخذ في تأييده بالأدلة الشرعية؟؟

17 - نفي الفعل عن الإنسان

قال المصنف (144 - 145): «وإنما سُمي غيره خالقا في قوله ?الله أحسن الخالقين ? [المؤمنون 14] وإن كان خالقا وحده على طريق الاتساع».

أقول: المصنف يريد أن خلق الإنسان وفعله مجاز لا حقيقة له، وهذا ما يسميه الأشعري كسبا، وهي عقيدة متفرعة عن القول بالجبر، والمحقق فطِن هنا للخطأ، لكن لم ينبه على أن هذه العقيدة باطلة مخالفة لمذهب السلف.

18 - معنى الظلم عند المصنف

قال المصنف (143): «لأنه عز وجل ملِك لجميع ذلك فيهم، غير محتاج في فعله إلى تمليك غيره له ذلك حتى يكون جائراً فيه قبل تملكه، بل هو تعالى في فعل جميع ذلك عادل له وله مالك يفعل ما يشاء».

أقول عرَّف الظلم بالتصرف في ملك الغير وهذه عقيدة الجبرية الجهم وأتباعه، فالله تعالى عندهم لما يُجبر الناس على المعصية ثم يعذبهم عليها عادل في ذلك لأنه يتصرف في ملكه، أما أهل السنة فالظلم عندهم وضع الشيء في غير موضعه، وهذا الخطأ قد نبه عليه المحقق فأحسن وأحال على جامع الرسائل لابن تيمية (123 - 124).

19 - الاستطاعة والقدرة على الأفعال

قال المصنف (146): «وأجمعوا على أن الإنسان لا يستطيع أن يفعل ما علم الله أنه لا يفعله». وقال (148): «وأجمعوا على أن الكافرين غير قادرين على العلم بما دعوا إليه مع تشاغلهم بالإعراض عنه وإيثارهم الجهل عليه مع كونهم غير عاجزين عن ذلك، ولا ممنوعين منه لصحة أبدانهم وقدرتهم على ما تشاغلوا به من الإعراض عنه وآثروا الجهل عليه». وقال (150): «وهم غير قادرين عليه – الإيمان - …ولو كرهوا الكفر وما هم عليه من الإيثار له وأرادوا الإيمان لقدروا عليه».

أقول: هذه عقيدة الأشعري التي صرح بها في الإبانة وعقيدة أتباعه؛ أن القدرة على الفعل الذي يكتسب لا تكون إلا معه، أما قبل فعله فهو غير قادر، وبالتالي كل الأفعال التي تركها الإنسان هي غير مقدورة له (أي غير مستطاعة) وهذا باطل مخالف لمذهب أهل السنة والجماعة الذين يقسمون الاستطاعة إلى قسمين استطاعة بمعنى الصحة والوسع والتمكن وسلامة الآلات التي هي مناط التكليف وهي موجودة قبل التكليف، واستطاعة مقارنة للفعل وهي التي يوجد الفعل بها (18). وعفا الله عن المحقق الذي قال (149): «أما مذهب أهل السنة والجماعة فهو مذكور في كلام الأشعري السابق؟ وفصله ابن تيمية في المنهاج (1/ 369،373)».

20 - التحسين والتقبيح

قال المصنف (137): «وأجمعوا على أن القبيح من أفعال خلقه ما نهاهم عنه وزجرهم عن فعله، وأن الحسن ما أمرهم به وندبهم إلى فعله وأباحه لهم».

أقول: هذه عقيدة الأشاعرة أن التحسين والتقبيح شرعيين فحسب، ومذهب أهل السنة أن من الأفعال والأشياء ما يدرك حسنه وقبحه بالعقل قبل ورود الشرع. والمحقق هنا جعل قول الأشاعرة هو قول أهل السنة، ثم رجح قول ابن تيمية (المخالف لقول أهل السنة في نظره).

21 - نفي الحكمة والتعليل

قال المصنف (136): «ولا يسأل في شيء من ذلك عما يفعل، ولا لأفعاله علل لأنه مالك غير مملوك …».

فعلق المحقق على هذا الكلام: «ما ذكره الأشعري هنا من إجماع أهل السنة على أنه ليس لأفعال الله علل غير سليم …ولم أقف على نص للأشعري يفيد رجوعه عن هذا القول، وبالتالي فهذا القول من آثار الكلابية التي اعتقدها فترة من الزمن وأما أهل السنة وكذلك المعتزلة فيقولون بالحكمة والتعليل لأفعال الله تعالى».

أقول: الأشعري إنما وافق ابن كلاب في غالب مسائل الصفات أما في القدر ومسائله فإمامه فيها الجهم بن صفوان، ولا أعلم ابن كلاب ينفي الحكمة والتعليل كما أنه لا ينفي الصفات كلها إلا السبع، كما ينسبه إليه كثير من المعاصرين والله تعالى أعلم.

ـ[محمد حاج عيسى]ــــــــ[19 - 09 - 06, 09:21 م]ـ

الخاتمة

هذه جملة الأخطاء التي هديت إلى فهمها فإن أصبت فبتوفيق من الله عز وجل، وإن أخطأت فبتقصيري وعجزي، وأظن أن ما سطرته كاف للدلالة على أن المحقق قد غض الطرف عن أكثر المسائل التي خالف فيها المصنف عقيدة أهل السنة، ثم قال وهو يعدد نتائج بحثه (179): «إثبات الأشعري للصفات التي جاء بها الوحي قرآنا أو سنة –دون تفرقة في ذلك- وإن كان عليه بعض المآخذ التي أشرت إليها في التحقيق كما وافق السلف في القضاء والقدر». وهو أيضا يجعل هذه الرسالة دليلا آخر على رجوع الأشعري إلى عقيدة أهل السنة، وهي عندي لو ثبتت عنه لدلت على عكس ذلك، والذي جعل المحقق يسير في هذا الاتجاه ما ذكرته في أسباب كتابة هذا النقد، فإن ذلك الظن عطل حاسة النقد عند المحقق، فغلب حسن الظن في كل موضع انتبه فيه إلى خلل في الاعتقاد، فلو تدبر كلام ابن تيمية الذي نقل في الصفحة (35) و (39)، ولو تبين من العقائد التي نسب إلى ابن كلاب في الصفحات (34) (121) (136)، ولو راجع مذهب الأشعري المنقول عنه مقارنا بمذهب السلف في المسائل التي سكت عنها أو وافق فيها المصنف لربما تغير موقفه وتبدلت نتائجه ولكن شيئا من ذلك لم يكن، والله الهادي إلى سبيل الرشاد.

ثم إن هذه الإجماعات المنقولة في الرسالة سواء صدرت من ابن مجاهد أو من الأشعري فلا عبرة بها إطلاقا، لأنها لم تصدر من إمام عالم بمذاهب السلف، قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن الأشعري: «ونفس مقالة أهل السنة لم يكن يعرفها ولا هو خبير بها» (19). وقال عنه أيضا: «ونصر في الصفات طريقة ابن كلاب لأنها أقرب إلى الحق والسنة من قولهم –أي المعتزلة – ولم يعرف غيرها، فإنه لم يكن خبيرا بالسنة والحديث» (20).

وكتبه أبو عبد الله محمد حاج عيسى الجزائري الثلاثاء 17 صفر 1420

الموافق لـ1 جوان 1999م

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير