(4) الصحابة لا يكفرون و لا يفسقون و لا يعصون الله و رسوله
قال تعالى {و اعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم و لكن الله حبب إليكم الإيمان و زينه في قلوبكم و كرّه إليكم الكفر و الفسوق و العصيان. أولئك هم الراشدون. فضلا من الله و نعمة و الله عليم حكيم}
وهذا نص صريح جدا أن الصحابة رضوان الله عليهم , فهذه الآيات نزلت فيهم , أنهم لا يكفرون بالله و رسوله و لا يعصون و لا يفسقون عن أمره أي لا يخرجون عن أمره عن عمد أو استكبار و لا يمكن لهم أن يبدلوا أمر من أوامر الله عز وجل .. فكل من قال أنهم بدّلوا أو غيروا أو عصوا الله و رسوله أو خالفوه , فقد خالف نص القرآن الصريح.
ثم وصفهم الله عز وجل بالراشدون , أي أن تركهم الكفر و الفسوق و العصيان إنما هو من الرشاد , الذي تفضّل الله عليهم به , و الحمد لله.
أما ما ورد عن بعضهم في غزوة أحد من ترك بعض الرماة أماكنهم و خالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم , فإنما كان ذلك باجتهاد منهم و لم يكن قصدهم مخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم , وكذلك من فرّ يوم أحد , ولا هو من باب حب المعصية و حب الفسوق و العصيان , حاشا لله , إنما هو خطأ وارد على البشر على أكثر تقدير , و إلا فقد عاقبهم الله تعالى عقوبة فورية فقال عز و جل {أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنّى هذا , قل هو من عند أنفسكم , إن الله على كل شيء قدير} ثم لقد عفا الله عنهم فقال جل و علا {إن الذين تولّوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا , ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم} ..
كما جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري (3698) أن رجلا جاء من أهل مصر و حج البيت فرأى قوما جلوسا فقال من هؤلاء القوم؟ فقالوا: هؤلاء من قريش , قال فمن الشيخ فيهم؟ قالوا عبد الله بن عمر , قال: يا ابن عمر. إني سائلك عن شيء فحدثني عنه. هل تعلم أن عثمان فر يوم أحد؟ قال: نعم , فقال تعلم أنه تغيب يوم بدر و لم يشهد؟ قال: نعم , قال الرجل: فهل تعلم أنه تغيب عن بيعة الرضوان و لم يشهدها؟ قال: نعم , قال: الله أكبر , قال بن عمر: تعالى أبين لك ...
أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله عفا عنه و غفر له , و أما تغيبه عن بدر فإنه كانت تحته بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم و كانت مريضة فقال له رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا و سهمه , و أما تغيبه عن بيعة الرضوان فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه مكانه فبعث رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عثمان , و كانت بيعة الرضوان بعدما ذهب عثمان إلى مكة , فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: هذه يد عثمان فضرب بها على يده فقال هذه لعثمان , فقال له بن عمر: اذهب بها الآن معك.
و الشاهد أن الصحابة رضوان الله عليهم أما كفر غن ما فعلوه و إما عفا الله عنهم , و لم يكن صنيعهم من حب المعصية و الفسوق , لا , و لكنه من باب أنهم بشر قد يخطئون , فالأصل عندهم السمع و الطاعة و ليس الكفر و الفسوق و العصيان كما يروج لذلك أهل الزيغ.
(5) منهج الصحابة هو السمع و الطاعة لله و لرسوله.
قال تعالى {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه و المؤمنون كل آمن بالله و ملا ئكته و كتبه و رسله , لا نفرق بين أحد من رسله , و قالوا سمعنا و أطعنا غفرانك ربنا و إليك المصير}
وذلك أنه لما نزل قوله تعالى {لله ما في السموات و ما في الأرض , و إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء و يعذب من يشاء , و الله على كل شيء قدير} .. اشتد ذلك على صحابة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فأتوا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ثم جثوا على الركب فقالوا: يا رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة و الصيام و الجهاد و الصدقة , و قد أنزل الله عليك هذه الآية و لا نطيقها , فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ," أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا و عصينا , بل قولوا سمعنا و أطعنا غفرانك ربنا و إليك المصير " فلما اقترأها القوم و ذلت بها ألسنتهم أنزل الله في أثرها {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه} الآية , فلما فعلوا ذلك نسخها الله بقوله {لا يكلف الله
¥