وقد قال الإمام الحافظ الذهبي معلقاً أثر الإمام أبو جعفر الترمذي في النزول: ((صدق فقيه بغداد وعالمها في زمانه، إذ السؤال عن النزول ماهو؟ عيٌّ، لأنه إنما يكون السؤال عن كلمةٍ غريبةٍ في اللغة، وإلا فالنزول والكلام والسمع و البصر والعلم والاستواء عباراتٌ جليلةٌ واضحةٌ للسَّامع، فإذا اتصف بها من ليس كمثله شيء فالصفة تابعةٌ للموصوف وكيفية ذلك مجهولة عند البشر وكان هذا الترمذي من بحور العلم والعُباد الورعين مات سنة 295 هـ)) أهـ. العلو ص 156
وقال: ((قَدْ صَارَ الظَّاهِرُ اليَوْم ظَاهِرَيْنِ: أَحَدُهُمَا حقّ، وَالثَّانِي بَاطِل، فَالحَقّ أَنْ يَقُوْلَ: إِنَّهُ سمِيْع بَصِيْر، مُرِيْدٌ متكلّم، حَيٌّ عَلِيْم، كُلّ شَيْء هَالك إِلاَّ وَجهَهُ، خلق آدَمَ بِيَدِهِ، وَكلَّم مُوْسَى تَكليماً، وَاتَّخَذَ إِبْرَاهِيْمَ خَلِيْلاً، وَأَمثَال ذَلِكَ، فَنُمِرُّه عَلَى مَا جَاءَ، وَنَفهَمُ مِنْهُ دلاَلَةَ الخِطَابِ كَمَا يَليق بِهِ تَعَالَى، وَلاَ نَقُوْلُ: لَهُ تَأْويلٌ يُخَالِفُ ذَلِكَ.
وَالظَّاهِرُ الآخر وَهُوَ البَاطِل، وَالضَّلاَل: أَنْ تَعتَقِدَ قيَاس الغَائِب عَلَى الشَّاهد، وَتُمَثِّلَ البَارِئ بِخلقه، تَعَالَى الله عَنْ ذَلِكَ، بَلْ صفَاتُهُ كَذَاته، فَلاَ عِدْلَ لَهُ، وَلاَ ضِدَّ لَهُ، وَلاَ نَظيرَ لَهُ، وَلاَ مِثْل لَهُ، وَلاَ شبيهَ لَهُ، وَلَيْسَ كَمثله شَيْء، لاَ فِي ذَاته، وَلاَ فِي صفَاته، وَهَذَا أَمرٌ يَسْتَوِي فِيْهِ الفَقِيْهُ وَالعَامِيُّ-وَاللهُ أَعْلَمُ)) السير
قال الحافظ في كتابه "العلو" ص (532) أن الصفات ((لا تأويل لها غير دلالة الخطاب، كما قال السلف: "الاستواء معلوم"، وكما قال سفيان وغيره: "قراءتها تفسيرها" يعني أنها بينة واضحة في اللغة لا يبتغى بها مضايق التأويل والتحريف، وهذا هو مذهب السلف، مع اتفاقهم أيضاً أنها لا تشبه صفات البشر بوجه؛ إذ الباري لا مثل له لا في ذاته ولا في صفاته.))
قال الذهبي في العلو ج2 ص1337: ((هذا الذي علمت من مذهب السلف، والمراد بظاهرها أي لا باطن لألفاظ الكتاب والسنة غير ما وضعت له، كما قال مالك وغيره الاستواء معلوم، وكذلك القول في السمع والبصر والعلم والكلام والإرادة والوجه ونحو ذلك، هذه الأشياء معلومة فلا تحتاج إلى بيان وتفسير، لكن الكيف في جميعها مجهول عندنا))
وقال في التعليق على كلام أبو عبيد ج2 ص1048: ((وقد ألف كتاب "غريب الحديث" وما تعرض لأخبار الصفات بتفسير، بل عنده أن لا تفسير لذلك غير موضوع الخطاب العربي)) وهذا يبين مراده في كلامه في السير بما لا يجعل لأحد حجة.
وكتبه وتصانيفه طافحة مليئة بالإثبات الصريح الذي لا يخالج أحداً أنه نقيض للتفويض. لذا فنفي التفسير في كلامه أو تفويض المعنى واضح أن مراده منها ما قد وضحنا من قبل في كلام السلف. أما قوله: (استأثر الله بعلم حقائقها) فهذا نقوله نحن فحقيقة الصفات على ما هي عليه -وهو ما يسمى الكيف- استأثر الله بعلمها لكن يعلم أصل المعنى من لغة العرب.))
(( ... بما قال الحافظ الذهبي في رسالته إثبات صفة اليد تحقيق عبد الله البراك ص36 بعد أن ذكر -دون عد الآيات- 53 حديث وأثر في إثبات الصفة قال: ((والأحاديث في إثبات اليد كثيرة وهذه قطعه من أقوال الأئمة الأعلام وأركان الإسلام ... [ثم ذكر آثار أكملها إلى 72 ثم قال عن اليد] ...
وهي بحسب ما تضاف إليه ومن جنس ما توصف بها فإن كان الموصوف بها حيواناً كانت جارحة وإن كان تمثالاً من صفراء وحجر كانت من صفراء وحجر وإن كان تمثالاً عرضاًفي حائط كانت عرضاً في حائط ... فإن قلت مثلاً عندي صنم من نحاس له يدان ورجلان، هل بقي يفهم أن يديه ورجليه جوارح من لحم ودم؟! إلى أن قال:
ويقال أيضاً نعلم بالاضطرار أن الصحابة والتابعين ومن بعدهم قد كان فيهم الأعرابي والأمي والمرأة والصبي والعامة ونحوهم ممن لا يعرف التأويل وكانوا مع هذا يسمعون هذه الآيات والاحاديث في الصفات وحدث بها الأئمة من الصحابة والتابعين على رؤوس الأشهاد ولم يؤولوا منها صفة واحدة يوماً من الدهر وإنما تركوا العوام على فطرهم وفهمهم ... )) أ. هـ
¥