ومما يدل على أن نفي التفسير لا يدل على أن ((المراد والمعنى)) مجهول ما قاله الإمام الترمذي في سننه عقب أحد أحاديث الرؤية:
قال ((وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم روايات كثيرة مثل هذا ما يذكر فيه أمر الرؤية أن ربهم وذكر القدم وما أشبه هذه الأشياء والمذهب في هذا ثم أهل العلم من الأئمة مثل سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك وابن عيينة ووكيع وغيرهم أنهم رووا هذه الأشياء ثم قالوا تروى هذه الأحاديث ونؤمن بها ولا يقال كيف وهذا الذي اختاره أهل الحديث أن تروى هذه الأشياء كما جاءت ويؤمن بها ولا تفسر ولا تتوهم ولا يقال كيف وهذا أمر أهل العلم الذي اختاروه وذهبوا إليه ومعنى قوله في الحديث فيعرفهم نفسه يعني يتجلى لهم)) أ. هـ
فتأمل رحمك الله قول الترمذي: ومعنى قوله في الحديث فيعرفهم نفسه يعني يتجلى لهم
فأثبت المعنى ولم يفوض فدل على أن التفسير المنفي هو ما درج عليه الجهمية من تحريف اللفظ عن ظاهره أو نفي الكيف وليس معنى قوله (لا تفسر) أي ليس لها معنى فقد أثبت المعنى فقال: ومعنى قوله في الحديث فيعرفهم نفسه يعني يتجلى لهم!!! "
" ... أما الاحتجاج بقول محمد بن الحسن ((من غير تفسير ... فمن فسر))
فقد تكلمنا عن المراد من هذا من قبل تحت عنوان [قول بعض السلف: ((بلا تفسير))] لكن لا بأس من الإعادة باختصار شديد:
1 - بينا أن بعض السلف اصطلح على نفي التفسير بنفي الكيف ودللنا على ذلك بكلام أبي عبيدة رحمه الله.
3 - وقد استعمل السلف نفي التفسير في غير باب الصفات مريدين بذلك منع التفسير المذموم الصارف للنص عن ظاهره كما روى اللالكائي عن علي بن المديني في شرح أصول اعتقاد أهل السنة1/ 170 مع أن هذه الاحاديث معلومة المعنى بإتفاق.
4 - يؤيده ما قاله الإمام الأزهري بعد أن روى كلام أبو عبيدة: ((أراد أنها تترك على ظاهرها كما جاءت)) تهذيب اللغة 9/ 46 أي أن المنفي تفسير الجهمية المخالف لظاهرها المفهوم.
5 - ذكرت دليل صريح من كلام الإمام الترمذي بان نفي التفسير عندهم لا يدل على عدم فهم المعنى المراد للنص.
6 - حتى بعض الأشاعرة اعترفوا بان نفي التفسير قد يعني نفي الكيف قال البيهقي تعليقاً على أحد النصوص السلفية هذه: ((وإنما أراد والله اعلم فيما تفسيره يؤدي إلى تكييف)).
7 - فمن زعم بأن مراد السلف بهذا النفي " إزالة اللفظ عن ما تعرفه العرب وتفهمه" فقد أعظم الفرية على السلف فهذا الزعم له لوازم شنيعة ذكرت بعضاً منها ويضاد ما ثبت من تفسير السلف لبعض الصفات من لغة العرب وقد نقلنا بعضاً من كلامهم تحت عنوان [السلف تكلموا في معاني الصفات وأثبتوها] وقد سكت المحاور عن هذا لأنه ((خارج الحوار بالطبع)) وعندي مزيد!!.))
شبهة ""بلا معنى"":
" ... أما ما ذكرته عن الإمام أحمد ففي إسناده مقال وكما وضح أخونا فهاد هنا:
http://www.muslm.net/vb/showthread.php?t=130422&page=2
وعلى فرض ثبوته دعونا نفهم المراد من نفي المعنى من خلال تتبع ما ورد عن السلف في ذلك:
قال الإمام القصاب في كتابه السنة: ((كل صفة وصف الله بها نفسه أو وصفه بها رسوله، فليست صفة مجاز ولو كانت صفة مجاز لتحتم تأويلها ولقيل: معنى البصر كذا، ومعنى السمع كذا، ولفسرت بغير السابق إلى الأفهام، فلما كان مذهب السلف إقرارها بلا تأويل، علم أنها غير محمولة على المجاز، وإنما هي حق بين)) تذكرة الحفاظ 3/ 939 السير 16/ 213 - 214
تأمل إنكار الإمام أن يقال (معنى البصر كذا) وذكر أن ذلك من "تأويلها"!! فيه دليل صريح على إصطلاح بعض السلف التأويل الباطل ب ((المعنى)) ونفيهم له بناء على ذلك.
وإنكاره ((للمعنى)) لم يمنعه من أن ينص على أن تفسيرها هو ما يسبق إلى ((الأذهان السليمة)) منها، وهذا كما قال الإمام ((كل صفة وصف الله بها نفسه أو وصفه بها رسوله))، ((كل)) يعني ((كل)) لا ((بعض))!! وهذا ما لا يتحمله أي مفوض!!!. ولا يلزم أن يقال في كل صفة تفسيرها كذا وكذا.
إذا علمنا هذا المراد من لفظ المعنى فتعالوا مع اثر آخر مع احد أئمة السلف ورد فيه نفي المعنى لنتعرف على مراد آخر:
روى الإمام الأصبهاني قوام السنة بسنده حديث الرؤية: ((إنكم تنظرون إلى ربكم كما تنظرون إلى القمر ليلة البدر))
فقال رجل في مجلس يزيد بن هارون الواسطي: ((يا أبا خالد، ما معنى هذا الحديث؟))
فغضب وحرد وقال: ((ما أشبهك بصبيغ وأحوجك إلى مثل ما فعل به، ويلك، من يدري كيف هذا؟)) الحجة1/ 193
تأمل كيف أن المراد بالمعنى هاهنا الكيفية ((ويلك، من يدري كيف هذا؟))
و الرؤية متفق على فهم معناها بيننا وبين خصومنا. والجهمية تقاتل على تفويضها و قد فوض الجهمية بالفعل رؤية الله كما روى ذلك الإمام الدارمي عنهم ورد عليهم رحمه الله أنظر رد عثمان بن سعيد ص15. مما يدل على أن التفويض مقبول عند الجهمية وقد ذكر ذلك عن المعتزلة أبو الحسن الأشعري في مقالاته ص189.
وحتى الأثر الذي لا يثبت ويحتجون به عن الإمام احمد ((لا كيف ولا معنى)) جاء سياق الكلام في حديث ((إن الله يرى)) ونفي التفويض عن الرؤية متفق عليه بيننا وبينهم مما يدل على أن نفي المعنى هنا ليس بتفويض.
بل قد جاء نفي المعنى من أئمة معلوم عنهم نقض التفويض الأشعري غاية النقض كالعلامة خليل هراس والشيخ السعدي وغيرهم كثير.
الحاصل أن ما جاء عن السلف في نفي المعنى له حالين:
أحدهما: نفي المعاني المزعومة تحت ستار "التأويل"
ثانيهما: أن يكون المراد نفي الكيف.
أما أن يكون نفي المعانى هو " إزالة اللفظ عن ما تعرفه العرب وتفهمه"فهذا باطل وله لوازم شنيعة ذكرت بعضاً منها هو مصادم لما ثبت عن السلف من تفسير بعض الصفات بظاهرها من لغة العرب."
والله تعالى أعلم.
¥