فإنّ من المُسَلَّم به عند كل صاحب سنةٍ واتباعٍ، أنّهم لا يثبتون مسائل التوحيد والاعتقاد إلا بأثر صحيحٍ صريحٍ، وأنهم أورع وأخشى لله من أن يصفوه بما لا يثبت أو بما لا يليق به سبحانه، ورحم الله الآجري إذ يقول في ["الشريعة" (1/ 301)]: علامة من أراد الله به خيراً سلوك هذه الطريق: كتاب الله، وسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسنن أصحابه رضي الله عنهم، ومن تبعهم بإحسان, ومن كان عليه أئمة المسلمين في كل بلد، إلى آخر ما كان من العلماء، مثل: الأوزاعي، وسفيان الثوري، ومالك بن أنس، والشافعي، وأحمد بن حنبل، والقاسم بن سلام، ومن كان على طريقتهم، ومجانبة كل مذهب لا يذهب إليه هؤلاء العلماء.
- وقال البربهاري رحمه الله: فالله الله في نفسك، وعليك بالآثار، وأصحاب الآثار، والتقليد، فإنّ الدين إنّما هو التقليد - يعني للنبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين - ومن قبلنا لم يدعونا في لَبسٍ، فقلّدهم واسترح، ولا تجاوز الأثر، وأهل الأثر. ["طبقات الحنابلة" (2/ 39)]
وكنت أتمنا أن يذكر لنا الشيخ بعض أسماء أهل السنة ممن تبعهم في الطعن في هذا الأثر، فلم يذكرلنا أحدًا،
- وقد بحثت طويلا على أن أقف على من رد هذا الأثر وطعن في متنه من أئمة السلف أئمة التوحيد والسنة، فلم أجد.
- نعم قد طعن في هذا الأثر رجل أعجمي يقال له: (الترمذي) - وليس هو بصاحب السنن - فانظر إلى موقف أهل السنة منه.
- قال أبو بكر بن إسحاق الصَّاغاني (270هـ):
لا أعلمُ أحدًا من أهلِ العلمِ ممن تقدَّموا، ولا في عصرِنا هذا إلا وهو مُنكرٌ لما أحدثَ التّرمذيّ من ردِّ حديث محمد بن فضيل عن ليث عن مُجاهد في قوله: (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمود) قال: يُقعده على العرش، فهو عندنا جهميٌّ يُهجرُ، ونُحذِّر عنه.
- وقال عليّ بن داود القَنْطَريّ (272هـ): إن هذا التّرمذِيّ الذي طعنَ على مُجاهد بردِّه فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم مُبتدعٌ، ولا يَردُّ حديث محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد، إلا جهميٌّ، يُهجر، ولا يُكلَّم، ويُحذر عنه، وعن كُلّ من ردَّ هذه الفضيلة.
- وقال محمد بن يُونُس البصري (286هـ): ما سَمعنا أحدًا من شُيوخنا المُتقدِّمين من أهل السُّنّة ذكر هذه الأحاديث إلا بالقبول لها، ويَحتجُّون بها على الجهميّة، ويقمعونهم بها، ويكفِّرونَهم، ولا يردها إلا رجلٌ مُعطلٌ جهميٌّ،
فمن ردَّ هذه الأحاديث، أو طعنَ فيها فلا يُكلَّمَ، وإن ماتَ لم يُصلَّ عليه،
وقد صحَّ عندنا أن هذا التَّرمذيّ تكلَّمَ في هذه الأحاديث الذي يَحتجُّ بها أهل السُّنّة، وهذا رجلٌ قد تبيّن أمره، فعليكم بالسُّنّة والاتباع، ومذهب أبي عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه فهو الإمام يُقتدى به. [رواها عنهم الخلال في السنة ولولا الإطالة لسقتها كلها، ولكن راجع كتاب السنة للخلال بعين الاتباع لأهل السنة].
وأما قولك: (هل نثبت صفة لربنا بأثر لم يثبت رفعه ولا وقفه؟؟ أهكذا السلفية؟)
نحن وإن لم يتبين لنا صحة هذا الأثر ولم نقف على إسناد صحيح له كما تقول أنت،
فإن تصحيح الأئمة له وقبولهم له يكفينا في تصحيحه والقول به، فإنه يسعنا ما وسعهم، ونحن قوم متبعون ومقتفون لمن كان قبلنا، وكيف يصح مخالفة أئمة أهل السنة فيما قالوه أو اعتقدوه، فأين الدعوة إلى الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة.
نحن لا نقول لأئمة أهل السنة كما تقوله أهل البدع: كيف تُثبتون صفات ربكم بالأحاديث والآثار الضعيف المنكرة،
والله ثم والله إنا ننزه أئمتنا أئمة السلف وأهل السنة بعدهم - كالإمام: أحمد وإسحاق وأبي عبيد القاسم بن سلام وابن أبي شيبة وإبي داود والدارقطني والطبراني وابن أبي عاصم والبربهاري وابن بطة والمروذي والخلال وابن تيمية وابن القيم وغيرهم كثير ممن أثبت هذا الأثر وقال به- أن يستدلوا على صفات ربهم وخالقهم بما لا يصح إسناده فضلا من أن يكون هذا الأثر لا تجوز نسبته إلى الله تعالى.
وإن قلنا ذلك فماذا أبقينا لأهل البدع ممن يطعن على أهل السنة وعلى عقيدتهم.
2 - قولك: (وكذا أبيات الدارقطني، لا تثبت نسبتها إليه)
هذا تقليد منك للألباني، فقد أنكر نسبت هذه القصيدة للدارقطني؛
لأنه لم يقف عليها إلا من طريق أبي العز أحمد بن كادش وقد تُكلِّم فيه، فلهذا ضعفها.
ولكن لهذا القصيدة إسناد آخر صحيح مثل الشمس؛
¥