فبدهي أن يكون عند سليمان علم من الكتاب وذلك من باب أولى من جميع أفراد مملكته .. وإلا فيكون في مملكته من هو أصلح للنبوة والملك منه؟!! يا سبحان الله ... آصف يكون عنده علم من الكتاب، وسليمان يجهل هذا العلم .. ؟!!!
فأما إذا لم يكن سليمان عليه السلام، فلابد من أن يكون جبريل عليه السلام أو يكون ملكاً آخر ...
ويستبعد جداً أن يكون أحد من حاشيته ... والله تعالى أعلم] من تيسير العلي القدير 3/ 364
وسواءً كان هو القول الأول أو الثاني أو الثالث أو الرابع فإنه ليس به أي دلالة لما يُريدُ أن يستدل به المستغيثون بغير الله، وفي ذلك قال علامة زمانة، العالم المحقق الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن -رحمه الله تعالى- في تحفته الذهبية "تحفة الطالب والجليس" في رده على أحد المشركين المستغيثين بغير الله ..
قال العلامة المحقق الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن في تحفته الذهبية (تحفة الطالب والجليس):
(قال العراقي: ومن الأدلة على جواز دعاء الصالحين وندائهم، ما ذكر الله عن نبيه سليمان وقوله لآصف وقد طلب منه ما لا يقدر عليه إلا الله.
فنقول: سبحانك هذا بهتان عظيم، ما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا.
وقصة آصف من أدلة التوحيد، وآصف توسل إلى الله بتوحيده وإلهيته، وكرر ذلك في دعائه، وقد قيل إنه يعرف الاسم الأعظم، فهو طالب من الله، راغب إليه سائل له وسليمان عليه السلام آمر ليس بسائل ولا طالب.
وفرق بين الأمر والمسألة ومن لم يفرق بين الأمرين، ولم يدر حكم المسألتين، فليرجع إلى وراء، وليقتبس نوراً من كلام أئمة العلم والهدى [1]
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب: ((لا تنسنا من يا أخي من صالح دعائك)). وهذا من جنس الأسباب العادية، فإن الرجل إذا كان معروفاً بالصلاح وإجابة الدعاء فطلب منه الدعاء، أو أمر به فدعا الله واستجيب له، لا يكون هو الفاعل للإستجابة، وليس المطلوب منه ما يختص بالله من الفعل، وإنما يطلب منه ما يختص به من الدعاء والتضرع، فالآية من أدلة التوحيد، وصرف الوجوه إلى الله، وإقبال القلوب عليه، فإن آصف توسل إلى الله بتوحيده وربوبيته، وقصده وحده، ولم يقصد سليمان، ولا غيره مع أن سليمان أفضل منه لنبوته.
وفيها أن الأنبياء لا يسألون ولا يقصدون، بل ربما صار حصول مقصودهم، ونيل مطلوبهم على يد من هو دونهم من المؤمنين، وإن أعظم الوسائل، وأشرف المقاصد هو: توحيد الله بعبادته ودعائه وحده لا شريك له كما فعل آصف.
وفيها براءة أولياء الله من الحول والقوة كما دلت عليه القصة، فإنه توضأ وصلى ودعا فقال في دعائه [يا ذا الجلال والإكرام] قاله مجاهد.
وقال الزهري: [يا إلهنا وإله كل شيء إلهاً واحداً لا إله أنت، ائتني بعرشها]. فأي شيء تبقى مع هذا، وأي حجة فيه على أن غير الله يدعى.
ثم أخذ العراقي في هذيان وإسهاب حاصلة: أن السبب لا يفعل، وأن الله هو الفاعل، ومراده بهذا أن دعاء الأموات والغائبين من الأولياء والصالحين يجوز ويسوغ، إذا اعتقد أن الله هو الفاعل. وقد مرّ ردّ هذا وتقرير جهل قائله ومفارقته لما عليه أهل الإسلام. وقد تقدم أن أصل الإسلام وقاعدته هي: عبادة الله وحده لا شريك له، وإفراده بالقصد والطلب. وأن توحيد الربوبية واعتقاد الفاعلية له تعالى لا يكفي في السعادة والنجاة، ولا يكون به الرجل مسلماً حتى يعبد الله وحده، ويتبرّأ مما سواه من الأنداد والآلهة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس: ((آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله وحده، شهادة أن لا إله إلا الله))
وهذا ظاهر بحمد الله وإن خفي على خفافيش البصائر، الذين لا يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق، فهاموا من الجهل والضلال في كل فج عميق، مع انتسابهم إلى العلوم والدفاتر، وتقدمهم في المجالس والمحاضر.
لا عيب في القوم من طول ومن قصر ... جسم البغال وأحلام العصافير)
[1]
قال المُحقق الشيخ عبدالسلام آل عبدالكريم رحمه الله تعالى:
(الأمر هو طلب فعل الشيء على وجه الاستعلاء.
وأما المسألة فهي طلب الشيء على وجه الضعف والرجاء والتذلل.
قال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله [كما في مجموع الفتاوى لابن قاسم 1/ 190 - 191]:
سؤال المخلوقين فيه ثلاث مفاسد:
مفسدة الإفتقار إلى غير الله وهي نوع من نوع الشرك.
ومفسدة إيذاء المسؤول وهي من نوع ظلم الخلق، وفيه ذلّ لغير الله وهو ظلم للنفس.
فهو مشتمل على أنواع الظلم الثلاثة. أ.هـ
وقد بين رحمه الله تحريم سؤال المخلوق للمخلوق إلى في مواضع يسيرة أجازها الشارع مع الكراهة [أنظر هذا البحث في الردّ على البكري ص92 - 93 - 94 - 95 - 96 - 97 - 98 - 99].
وأمر سليمان لآصف هو من باب أمر السيد لمملوكه والأب لابنه والملك لرعيته)
يقول مركز الفتوى في الشبكة الإسلامية والذي يُشرف عليه الدكتور عبدالله الفقيه:
(ونحن نقول للسائل: إن قصة آصف بن برخيا لم يرد فيها حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيما نعلم)
كتبه:
أبو عمر الدوسري
http://saaid.net/feraq/sufyah/shobhat/16.htm
¥