[الأقوال في معنى الإساءة والمؤاخذة في هذا الحديث.]
ـ[أبو المنذر المنياوي]ــــــــ[12 - 02 - 07, 12:50 م]ـ
قال الإمام الدارمي في سننه:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيُؤَاخَذُ الرَّجُلُ بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ: (مَنْ أَحْسَنَ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا كَانَ عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمَنْ أَسَاءَ فِي الْإِسْلَامِ أُخِذَ بِالْأَوَّلِ وَالْآخِرِ).
والحديث رواه البخاري ومسلم.
مسألة:
قال ابن حجر: (قال الخطابي: ظاهره –أي حديث الباب - خلاف ما أجمعت عليه الأمة أن الإسلام يجب ما قبله، وقال تعالى (قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ) ([1])) ([2]).
وللعلماء في توجيه هذا الحديث وبيان منى الإساءة والمؤاخذة أقوال:-
منها، قول المحب الطبري: إنه منسوخ:
قال الزركشي: (وأما المؤاخذة بما سلف في الكفر من أسباب معفو عنها بالإسلام بالاتفاق، لقوله صلى الله عليه وسلم: (الإسلام يجب ما قبله) وقد ورد ما يشعر بخلافه، وهو ما في الصحيحين عن ابن مسعود قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت الرجل يحسن الإسلام أيؤاخذ بما عمل في الجاهلية؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر). قال المحب الطبري: والظاهر أنه منسوخ بما تقدم) ([3]).
والنسخ لا يثبت بالاحتمال، والجمع مقدم على الترجيح.
ومنها، قول الخطابي: إن معنى المؤاخذة التبكيت:
قال ابن حجر: (قال: ووجه هذا الحديث أن الكافر إذا أسلم لم يؤاخذ بما مضى، فإن أساء في الإسلام غاية الإساءة وركب أشد المعاصي وهو مستمر الإسلام فإنه إنما يؤاخذ بما جناه من المعصية في الإسلام ويبكت بما كان منه في الكفر كأن يقال له: ألست فعلت كذا وأنت كافر فهلا منعك إسلامك عن معاودة مثله؟ انتهى ملخصا، وحاصله أنه أول المؤاخذة في الأول بالتبكيت وفي الآخر بالعقوبة، والأولى قول غيره) ([4]).
وما قاله الإمام الخطابي غير متجه ولا دليل عليه، بل إن ظاهر لفظ الحديث يأباه، فالأولى جعل معنى المؤاخذة في الأولى والآخرة واحد.
ومنها، قول المناوي: إنه للتحذير:
قال المناوي: (وأما خبر من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر فوارد على منهج التحذير) ([5]).
وقول المناوي إما أن يحمل على أنه وصفاً لا توجيهاً للحديث، وإما أن يكون مقصده تعطيل الحديث بزعم أن ظاهره غير مراد، وظاهر عبارته أنه يقصد الثاني، وهذا قول ضعيف فلا قرينة تلجئنا إلى هذا التعطيل وإعمال الكلام أولى من إهماله كما هو معلوم.
ومنها، قول الأكثر: إن الإساءة الكفر أو النفاق:
قال ابن حجر بعد ذكره كلام الخطابي السابق: (والأولى قول غيره: إن المراد بالإساءة الكفر لأنه غاية الإساءة وأشد المعاصي فإذا ارتد ومات على كفره كان كمن لم يسلم فيعاقب على جميع ما قدمه، وإلى ذلك أشار البخاري بإيراد هذا الحديث بعد حديث " أكبر الكبائر الشرك " وأورد كلا في أبواب المرتدين، ونقل ابن بطال عن المهلب قال: معنى حديث الباب من أحسن في الإسلام بالتمادي على محافظته والقيام بشرائطه لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام أي في عقده بترك التوحيد أخذ بكل ما أسلفه، قال ابن بطال: فعرضته على جماعة من العلماء فقالوا لا معنى لهذا الحديث غير هذا، ولا تكون الإساءة هنا إلا الكفر للإجماع على أن المسلم لا يؤاخذ بما عمل في الجاهلية. قلت: وبه جزم المحب الطبري. ونقل ابن التين عن الداودي معنى من أحسن مات على الإسلام، ومن أساء مات على غير الإسلام. وعن أبي عبد الملك البوني: معنى من أحسن في الإسلام أي أسلم إسلاما صحيحا لا نفاق فيه ولا شك، ومن أساء في الإسلام أي أسلم رياء وسمعة وبهذا جزم القرطبي، ولغيره معنى الإحسان الإخلاص حين دخل فيه وداومه عليه إلى موته، والإساءة بضد ذلك فإنه إن لم يخلص إسلامه كان منافقا فلا ينهدم عنه ما عمل
¥