[اصول وقواعد مرعية في فتوة ما.]
ـ[ابو حمدان]ــــــــ[03 - 12 - 06, 02:43 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
مسألة: هناك من يفتي بإباحة الكفر في مسائل غير الإكراه إما للضرورة أو لمصلحة معتبرة أو لسبب آخر، فهل هذا صحيح؟
الأصول والقواعد التي يجب مراعاتها عند الإفتاء في مثل هذه المسائل:
القاعدة الأولى: أن من قال أو فعل ما هو كُفر أكبر كَفر وإن لم ينو الكفر:
- قال الله تعالى (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم * ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين) [النحل:106 - 107].
قال الإمام ابن حزم رحمه الله في الفصل في الملل والأهواء والنحل: "ولما قال تعالى (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً)، خرج من ثبت إكراهه عن أن يكون بإظهار الكفر كافراً إلى رخصة الله تعالى والثبات على الإيمان، وبقي من أظهر الكفر لا قارئاً ولا شاهداً ولا حاكياً ولا مكرهاً على وجوب الكفر له بإجماع الأمة على الحكم له بحكم الكفر وبحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، وبنص القرآن على من قال كلمة الكفر إنه كافر، وليس قول الله عز وجل (ولكن من شرح بالكفر صدرا) على من ظنوه من اعتقاد الكفر فقط، بل كل من نطق بالكلام الذي يُحكم لقائله عند أهل الإسلام بحكم الكفر لا قارئاً ولا شاهداً ولا حاكياً ولا مكرهاً فقد شرح بالكفر صدراً، بمعنى أنه شرح صدره لقبول الكفر المحرم على أهل الإسلام وعلى أهل الكفر أن يقولوه وسواء اعتقدوه أو لم يعتقدوه، لأن هذا العمل من إعلان الكفر على غير الوجوه المباحة في إيراده وهو شرح الصدر به" اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأيضا فإنه سبحانه استثنى المكره من الكفار، ولو كان الكفر لا يكون إلا بتكذيب القلب وجهله لم يُستثن منه المكره، لأن الإكراه على ذلك ممتنع فعُلم أن التكلم بالكفر كفر إلا في حال الإكراه. وقوله تعالى (ولكن من شرح بالكفر صدرا)، أي لاستحبابه الدنيا على الآخرة، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافراً، ويمسي مؤمنا ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا"، والآية نزلت في عمار بن ياسر وبلال بن رباح وأمثالهما من المؤمنين المستضعفين لما أكرههم المشركون على سب النبي صلى الله عليه وسلم، ونحو ذلك من كلمات الكفر، فمنهم من أجاب بلسانه كعمار، ومنهم من صبر على المحنة كبلال، ولم يكره أحد منهم على خلاف ما في قلبه بل أكرهوا على التكلم، فمن تكلم بدون الإكراه، لم يتكلم إلا وصدره منشرح به" اهـ[الفتاوى 7/ 5].
وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: "قوله تعالى (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) إلى قوله (ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة) فلم يستثن الله إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان، بشرط طمأنينة قلبه، والإكراه لا يكون على العقيدة، بل على القول والفعل، فقد صرح بأن من قال الكفر أو فعله فقد كفر إلا المكره، بالشرط المذكور، وذلك أن ذلك بسبب إيثار الدنيا لا بسبب العقيدة" اهـ[تاريخ ابن غنام ص344].
وقال أيضا في كشف الشبهات: "قوله تعالى (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) فلم يعذر من هؤلاء إلا من أكره مع كون قلبه مطمئنا بالإيمان، وأما غير هذا فقد كفر بعد إيمانه، سواء فعله خوفا أو مداراة أو مشحة بوطنه أو أهله أو عشيرته أو ماله أو فعله على وجه المزح أو لغير ذلك من الأغراض إلا المكره" اهـ.
- قال الله تعالى (ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم) [التوبة:74].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الصارم المسلول: "فمن قال أو فعل ما هو كُفر كَفر بذلك وإن لم يقصد أن يكون كافراً، إذ لا يقصد الكفر أحد إلا ما شاء الله" اهـ.
وقال الإمام الصنعاني رحمه الله في تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد: "صرح الفقهاء في كتب الفقه في باب الردة أن من تكلم بكلمة الكفر يكفر وإن لم يقصد معناها" اهـ.
¥