[محددات حيز العقل .. عند أهل العقل والنقل (السلف)]
ـ[أبو القاسم المقدسي]ــــــــ[08 - 02 - 07, 02:33 م]ـ
عند الحديث عن "العقل" .. فلا يعدو أن يخرج مدلول هذه الكلمة عن ثلاثة احتمالات:-
-أن يكون المراد عقلا مجردا .. بحيث يكون مرجعا مطلقا منزوعا من أي قيد .. وهذا المخلوق لا وجود له
-أو يكون من يعزو إليه .. متحدثا في الواقع عن عقله هو .. أو عقل شيخه ومن يعتزي إليه .. وهذا لا يجوز بحال أن يحتج به ..
-أو أن يراد بالعقل .. إجماع العقلاء ممن ثبت انتسابهم للكتاب والسنة وتمسكهم به من حيث الأصل المنهجي والسلوك العملي ..
فعلى هذا المعوّل .. وبهذه القسمة الثلاثية تتبين حقيقة العقل "المقدّس" عند المتكلمين ..
ومدى دوره .. ومساحة نفوذه ودائرة عمله
فماهي المساحة المسموح للعقل بها .. وماهو "الخط الأحمر" .. الذي لا ينبغي تجاوزه .. بالنسبة للعقل؟
يطرحون هذا السؤال .. بصورة تحد .. توهم أن السلف عطلوا عقولهم بالكية .. وأصبحوا كالرعاع الدهماء المقلدين السذج
والجواب على هذا من وجوه .. أقتبسها من نور الوحي .. كتابا وسنة:-
أولا-يقول الله سبحانه"ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل ألئك كان عنه مسؤولا"
وقفو الشيء .. أي تتبعه .. فالحد المنهي عنه هنا بوضوح: عدم إعمال العقل فيما لا علم له به .. ومعلوم أن الحكم على الشيء بعلم فرع عن تصور كنهه .. فعلى رأس ما يدخل في هذا الباب قطعا: ذات الله العلية ..
ولاذات مطلقا مجردة عن خلال .. إلا في الخيال .. وعليه .. فالعبث العقلي بالتدخل في صفات الله بنفي ما أثبته لنفسه .. تحت أي حجة .. انتهاك صارخ لهذا الأمر الرباني الكريم .. ولا معنى للمتكلفين في هذا الباب إلا أنهم أغير والعياذ بالله على الله من الله!
نكتة:-قول الله بعد الأمر:"إن السمع والبصر والفؤاد كل ألئك كان عنه مسؤولا"
فيه تأكيد ما تقدم .. :-
السمع (وقد أخبرنا الله في كتابه بصفاته .. فوجب التوقف عندما أخبر عملا بقوله تعالى"سمعنا وأطعنا")
البصر (والعين تشاهد بعيض ملكوت الله .. ولاتدرك كل ملكوت الله فضلا عن ذاته)
وهاتان أخص أداتين للحس .. تنقل للعقل ما يدركان .. فيأتي دور العقل لتحليل ما دخل إليه عنهما وهو
الفؤاد:-وهو في اللغة يعبر عنه بالقلب تارة أو بالكبد أو بما هو أصل في اتخاذ القرار .. ومأخوذ من التفؤد وهو التوقد
فإذا كان الحس والتجربة والبرهان لا قبل له بالشيء .. فهو يخرج من نطاق العقل .. ويصبح التكلف في العقليات ساعتها داخلا في النهي "والفؤاد" .. الذي يسأل صاحبه عنه
2 - "أفلا يعقلون" وأخواتها .. حيث يحتج بها الكلاميون على السلف
ويقولون .. قد تكرر هذا السؤال الاستنكاري من لدن ربنا مرات كثيرة .. مما يدل على مركزية العقل في اتخاذ القرار
فلنلق الضوء على بعض الآيات التي اختتمت بالاستفهام الاستنكاري"أفلا يعقلون" وأختها "أفلا تعقلون"
-"أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون"؟؟
أي كيف يسوغ (عقلا) .. أن تأمر غيرك بالانتهاء عن شيء أنت متلبس بارتكابه!
ومن هنا نقول للأشاعرة .. كيف تعيبون على المعتزلة تكلمهم في صفات الله .. وأنتم متلبسون بتحريف بعضها أو نفيها أو تفويضها إلخ
-"يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون"
والحاصل أن جلها أو جميعها .. أسئلة للكفرة .. أما المسلمون فالغالب أنه يسألهم عن تحقيق التقوى والإخلاص .. وليس عن العقلانية
فلاحجة للأشاعرة بهذه الآيات على ما يحملون عقولهم فوق طاقتها .. بها
وفي الوصايا العشر الجليلة في سورة الأنعام العظيمة ..
قال تعالى بعد الشرك بالله وقتل الأولاد .. "ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون"
يتبع بإذن الله تعالى
ـ[أبو القاسم المقدسي]ــــــــ[08 - 02 - 07, 11:20 م]ـ
ثالثا-يقول المولى عز وجل"قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وبطن والإثم والبغي بخير الحق وأن تشركوا بالله مالم ينزل عليكم سلطانا وأن تقولوا على الله مالا تعلمون"
والقول على الله بغير علم .. يندرج تحته الشرك .. لذلك كان مدلوله أعظم من مجرد الشرك
وبذلك القول-على الله تعالى - بغير علم تتولد الشبهات ومنها تتولد البدع باختلافها
والسؤال لكل عقل أو عاقل: هل الحكم بالتفصيل على ما ينبغي لله من صفات ومالا ينبغي .. من صفاته الذاتية
تدخل في حيز ما نعلم أم في حيز مالا نعلم؟
¥