تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

التوسُّل هو: اتخاذ الوسيلة التي يتوصل بها إلى المطلوب وأعظم ذلك وأفضله التوسُّل إلى الله بالأعمال الصالحة؛ أي بفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه. والتوسل على وجوه منها المشروع ومنها الممنوع، والمقصود بالتوسُّل المسؤول عنه هو التوسُّل إلى الله بالدعاء، فالتوسُّل إلى الله بدعائه يكون مشروعاً على وجهين، توسُّل إلى الله بأسمائه وصفاته كقول العبد: أسألك اللهم برحمتك، وقوله: اللهم اغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم، وما أشبه ذلك.

الثاني، التوسُّل إلى الله بدعاء الصالحين، وذلك بأن يطلب من العبد الصالح الدعاء، ومن ذلك ما كان الصحابة يفعلونه مع النبي –صلى الله عليه وسلم– إذ كانوا يطلبون منه أن يدعو لهم، سواء كان ذلك لفرد أو لجماعة وهذا كثير، إذ كانوا يسألون النبي –عليه الصلاة والسلام– أن يستسقي لهم، كما في حديث الأعرابي الذي دخل المسجد والنبي –صلى الله عليه وسلم– يخطب، فقال: يا رسول الله! هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا، فرفع النبي –صلى الله عليه وسلم–يديه ودعا. صحيح البخاري (933) ومسلم (897)، فهذا توسُّل إلى الله بدعاء النبي –صلى الله عليه وسلم– ولهذا قال عمر –رضي الله عنه-: اللهم إنا كنا نتوسَّل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا صحيح البخاري (1010)، ومن هذا القبيل حديث الأعمى الذي ورد ذكره في السؤال، قد جاء يطلب من النبي –صلى الله عليه وسلم– أن يدعو الله أن يرد بصره، فخيَّره، قال: إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت فهو خير لك" قال: فادعه فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتُقْضَى لي اللهم فشفَّعه فيََّ –رواه الترمذي (3578) وابن ماجة (1385).

فهذا كله توسُّل إلى الله بدعاء النبي –صلى الله عليه وسلم– في حياته وأما بعد موته فلم يكن أحد من الصحابة يأتي إلى قبر النبي –صلى الله عليه وسلم– ليطلب منه الدعاء كما ذكر في حديث عمر-رضي الله عنه-، فقد عدل الصحابة –رضي الله عنهم– عن التوسُّل بالنبي –صلى الله عليه وسلم– بعد موته إلى التوسُّل بالعباس في الاستسقاء، يعني بدعاء العباس. وهكذا طلب الناس يوم القيامة من النبي –عليه الصلاة والسلام- حيث يطلب الناس يوم القيامة الشفاعة من آدم فنوح فإبراهيم فموسى فعيسى، وكلهم يعتذر، لعظم الأمر، فينتهي الأمر إلى النبي –صلى الله عليه وسلم– فيأتي ويسجد لربه ويحمده فيؤذن له في الشفاعة، ويقال له: "ارفع رأسك، وقل يُسْمَع لك وسل تُعْطَه واشفع تُشفَّع" – صحيح البخاري (4712) وصحيح مسلم (194)، وسؤاله –صلى الله عليه وسلم– أن يشفع عند الله يوم القيامة هو من سؤال الحي القادر.

وهكذا القول في الاستغاثة، فالاستغاثة طلب الغوث لكشف كربة من نصر على عدو، أو جلب رزق، فالقول في الاستغاثة كالقول في التوسُّل، منه الجائز ومنه الممنوع. فالاستغاثة بالحي القادر جائزة، كما صنع الرجل الذي من شيعة موسى، قال الله –تعالى-: "فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه" [القصص: 15]. ومن هذا النوع استغاثة الناس من كرب يوم القيامة بالأنبياء ليشفعوا لهم عند الله -كما تقدم-، فهي استغاثة بحي قادر. وأما الاستغاثة بالغائبين وبالأموات لكشف الشدائد وجلب المنافع فذلك من الشرك بالله، وهو الذي كان يفعله المشركون، فيستغيثون بالملائكة، وبالأنبياء، وكما يفعل النصارى وأشباههم من أهل الغلو في الصالحين.

ومن الاستغاثة بالحي القادر ما ورد في قصة هاجر، فإنها إنما طلبت الغوث ممن شعرت بوجوده، لم تستغث بغائب، وقد حصل لها ما طلبته، فأغاثها الملك بما أمره الله به، من تفجير عين زمزم– صحيح البخاري (3365)، وأما حديث فاطمة بنت أسد، وقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: "الله الذي يحيي ويميت وهو حيٌّ لا يموت، اغفر لأمي فاطمة بنت أسد، ولقَّنها حجتها، ووسع عليها مدخلها، بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي، فإنك أرحم الراحمين"– رواه الطبراني في الأوسط (189) والهيثمي في المجمع (9/ 257) والحديث -كما ورد في السؤال- حديث لا يصلح للاحتجاج به، والتوسُّل إلى الله بجاه النبي أو بحقه أو بحق الأنبياء، أو بجاه الأنبياء، أو أحد من الصالحين، كل ذلك من التوسُّل البدعي؛ لأنه توسُّل

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير