كما أن تقرير مسائل الولاء والبراء أمر جليل، لكن تطبيقها على الواقع يحتاج إلى مراعاة تحقيق المناط، وكذا تطبيقها على الأفراد يحتاج إلى مراعاة عوارض الأهلية كالجهل والتأوّل ونحوهما.
أحسب أن هذه الضوابط ونحوها أليق وأنسب من هذا الحذف والإقصاء.
وإذا كان أرباب التبديل والكتمان قد خافوا أن يصنع الولاء والبراء تفجيراً وإرهاباً، فقد خرّجت هذه المدارس مئات الألوف من الناشئة ولم يكونوا إرهابيين ولا مفجّرين، ولو فرضنا – جدلاً – أن واحداً من تلك الألوف المؤلفة قد درس الولاء والبراء وساء فهمه ثم أعقب ذلك إرهاب وتفجير .. أفيسوغ أن تبدّل المناهج لأجل هذا الواحد – المفترض – ونهمل تلك الألوف المؤلفة؟
وهبّ – مرة أخرى – أن شعيرة الولاء والبراء أورثت تفجيراً، أفيجوز أن نعالج الخطأ بالخطأ، وأن نتداوى بالتي هي الداء؟ إن الخطأ يعالج بالصواب والبدعة ترد بالسنة.
إنَّ ما صدر من هذه التصرفات المرتجلة من أجل إقصاء موضوع الولاء والبراء، وما تبعها من هدر مالي ومخالفات نظامية وتجاوزات إدارية، وتكرار في موضوعات .. كل ذلك يكشف عن سوء تدبير وحرمان من التوفيق، ولا غرو في ذلك فإن التأييد والتوفيق والتسديد إنما يناله من حقق هذا الأصل، كما قال _سبحانه_: {لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ} (المجادلة: من الآية22).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في شأن هذه الآية: "فهذا التأييد بروح منه لكل من لم يحب أعداء الرسل وإن كانوا أقاربه، بل يحب من يؤمن بالرسل وإن كانوا أجانب، ويبغض من لم يؤمن بالرسل وإن كانوا أقارب، وهذه ملة إبراهيم" (الجواب الصحيح 1/ 256).
ويقول في كتاب آخر: "وليعتبر المعتبر بسيرة نور الدين زنكي، وصلاح الدين، ثم العادل، كيف مكّنهم الله وأيّدهم، وفتح لهم البلاد، وأذلّ لهم الأعداء، لما قاموا من ذلك بما قاموا به، وليعتبر بسيرة من والى النصارى، كيف أذلّه الله _تعالى_ وكبته" (مجموع الفتاوى 28/ 143).
وأخيراً فإنَّ على الدُّعاة وطُلاَّب العِلم أنْ يعنوا بتقرير وتحقيق هذا الأصل من خلال عدة محاور، منها: الأُخُوة الإيمانيَّة، وسلامَة الصَّدر تجاه أهل الإيمان، وحُقوق المُسلم على أخيه، وأحكام التَّشبه بالكفَّار، وصور موالاة الكفَّار وأحكامها، ومفاسد الدعوة إلى تقارب الأديان أو ما يسمى بالإعتراف بالتَّعددية المذهبية الفكرية، فلقد كان سلفنا الصالح يجتهدون في إظهار الإسلام والسنة لا سيَّما عند خفائها واندراسها، ومن ذلك أن الإمام سفيان الثوري – رحمه الله – كان يقول: "إذا كنتَ بالشام فاذكر مناقب عليّ، وإذا كنتَ بالكوفة فاذكر مناقب أبي بكر وعمر" أخرجه أبو نعيم في (الحلية. (7/ 260
حيث غلب النصب – بغض عليّ رضي الله عنه – على بلاد الشام آنذاك، كما ظهر التشيع في الكوفة.
ورُئي عمر بن مرّة الجملي بعد موته، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي بمحافظتي على الصلوات في مواقيتها، وحبّي علي بن أبي طالب، "فهذا حافظ على هاتين السنتين حين ظهر خلافهما، فغفر الله له بذلك، وهكذا شأن من تمسّك بالسنة إذا ظهرت البدعة" (منهاج السنة النبوية 8/ 239).
وأظهر الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله – في بغداد تحريم النبيذ من غير العنب مما يسكر كثيره، فألّف كتاب الأشربة، حتى إن الرجل يدخل بغداد، فيقول: هل فيها من يحرم النبيذ؟ فيقولون: لا، إلا أحمد بن حنبل. (انظر نظرية العقد لابن تيمية ص84).
اللهم اجعلنا سلماً لأوليائك حرباً على أعدائك، وبالله التوفيق.
ـ[فيصل]ــــــــ[26 - 12 - 06, 09:49 ص]ـ
بارك الله فيك وفي الشيخ
ـ[أبو ذر الفاضلي]ــــــــ[26 - 12 - 06, 03:06 م]ـ
عسى أن يكون في هذا البلاغ عبرة.