تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولأصحاب أحمد ونحوهم من أهل الحديث والفقه والتصوف في هذه المسألة ثلاثة أقوال: منهم من يثبت المماسة كما جاءت بها الآثار. ثم من هؤلاء من يقول: إنما أثبت إدراك اللمس من غير مماسة للمخلوق بل أثبت الإدراكات الخمسة له, وهذا قول أكثر الأشعرية والقاضي أبي يعلى وغيره. فلهم في هذه المسألة قولان كما تقدم بيانه , وعلى هذا فلا يرد السؤال.

ومنهم من أصحاب أحمد وغيره: من ينفي المماسة.

ومنهم من يقول لا أثبتها ولا أنفيها؛ فلا أقول هو مماس مباين ولا غير مماس ولا مباين، وهذه المباينة التي تقابل المماسة أحق من المباينة التي تقابل المحايثة. فإن هذه العامة متفق عليها عند أهل الإثبات, وهي تكون للجسم مع الجسم, وللجسم مع العرض, وأما التي تقابل المماسة؛ فإنها لا تكون له مع العرض والعرض يحايث الجسم فلا يباينه المباينة العامة.

وأما الخاصة فلا يقال فيها مباينة ومماسة فامتناع خلوه عن المباينة العامة والمحايثة أولى. فإن المباينة الخاصة والمماسة نوعان للمباينة العامة؛ فإذا امتنع رفع النوع فامتناع رفع الجنس أولى.

وليس هذا موضع الكلام في هذه الأقوال, ولكن نذكر جواباً عاماً فنقول: كونه فوق العرش ثبت بالشرع المتواتر, وإجماع سلف الأمة مع دلالة العقل ضرورة ونظراً أنه خارج العالم؛ فلا يخلو مع ذلك إما أن يلزم أن يكون مماساً أو مبايناً أو لا يلزم؛ فإن لزم أحدها كان ذلك لازماً للحق، ولازم الحق حق، وليس في مماسته للعرش ونحوه محذور كما في مماسته لكل مخلوق من النجاسات والشياطين وغير ذلك؛ فإن تنزيهه عن ذلك إنما أثبتناه لوجوب بعد هذه الأشياء عنه, وكونها ملعونة مطرودة لم نثبته لاستحالة المماسة عليه، وتلك الأدلة منتفية في مماسته للعرش ونحوه كما روي في مس آدم وغيره, وهذا جواب جمهور أهل الحديث وكثير من أهل الكلام. وإن لم يلزم من كونه فوق العرش أن يكون مماساً أو مبايناً؛ فقد اندفع السؤال.

فهذا الجواب هنا قاطع من غير حاجة إلى تغيير القول الصحيح في هذا المقام, وبين من قال: إنه فوق العرش ليس بمباين كما يقوله من الكلابية والأشعرية من يقول, ومن اتبعهم من أهل الفقه والحديث والتصوف والحنبلية وغيرهم إن كان قولهم حقاً فلا كلام, وإن كان باطلاً فليس ظهور بطلانه موجود قائم بنفسه أنه فيه ليس بمماس, ولا مباين له، وأنه ليس هو فيه ولا هو خارجا عنه ().

قلت: فيتبين لك من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ما يلي:

1 - يبحث اختلاف العلماء في مسألة علو الله على عرشه بمماسة أو غير مماسة.

2 - يقرر رحمه الله أن علو الله على عرشه لا يخلو إما أن يكون بمماسة أو غير مماسة أو لا يلزم. فإن قلنا أنه سبحانه على عرشه بمماسة؛ فلا محذور في ذلك لأن العرش أكبر مخلوقات الله وأعظمها ولا محذور في مماسته له. فالعرش ليس شيئا مستهجنا كالمخلوقات المستهجنة المطرودة كالشياطين والنجاسات؛ فالعرش شيء عظيم بل هو أعظم المخلوقات. وهذا التنزيه لوجوب بعد هذه الأشياء المستهجنة عنه سبحانه وتعالى. وإذا قلنا: أنه لا يلزم أنه مماس أو غير مماس؛ فلا حاجة للجواب لأنه اندفع السؤال.

3 - قد قرر رحمه الله تنزيه الله عما ذكره هذا المعترض في كتابه "بيان تلبيس الجهمية", ولا شك أن المعترض اطلع على كلامه فجل رده "الكاشف" على كتاب شيخ الإسلام المذكور, ولكن سوء القصد والتعلق بأي كلمة.

قال شيخ الإسلام – رحمه الله -: فسلك الإمام أحمد وغيره مع الاستدلال بالنصوص وبالإجماع مسلك الاستدلال بالفطرة والأقيسة العقلية الصحيحة المتضمنة للأولى, وذلك أن النجاسات مما أمر الشارع باجتنابها والتنزه عنها, وتوعد على ذلك بالعقاب كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ((تنزهوا عن البول فإن عامة عذاب القبر منه)).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير