تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فكيف يتمكن للمسلم العامي أن يستدل على وجود الله ووحدانيته، وأرباب الدلائل والبراهين حيارى مختلفين لم يتفقوا على أدلة عقلية كاملة لا تقبل النقض، ولم يجتمعوا على كيفية الاستدلال على التوحيد!! ولهذا لما عرف المتأخرون منهم هذا العجز الفاضح والخلاف الفادح عندهم في كيفية الاستدلال، تجدهم يوجبون على العامي أن يطلب هذه الدلائل العقلية وكيفية إثبات العقائد بها عند من يتقنها ويحفظها، فكان هذا التناقض العجيب الغريب منهم لا يغتفر، ودليل واضح على بطلان مقالتهم جملة، إذ كيف يحرمون التقليد في العقيدة ويكفرون أو يفسقون بذلك ثم يوجبونه في أخذ الدلائل العقلية عن أحد خطؤه أكثر من صوابه ليعلمه الدليل على وجود الله سبحانه ووحدانيته؟!!

وقد موهوا على إيجابهم الاستدلال على التوحيد، بأدلة لا دلالة فيها على شغبهم، فمن ذلك:

قولهم: اتفق الجميع على أن التقليد مذموم، وما لم يكن يعرف باستدلال، فإنما هو تقليد لا واسطة بينهما!

فيقال: التقليد في الجملة مذموم باتفاق العلماء، لكن مرادهم بذاك التقليد هو أن يقبل قول الغير ما سوى الكتاب والسنة وإجماع أهل الحق، أما من دان بما جاء عن الله على مراد الله، وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله، فهذا ليس مقلداً بل متبعاً لما أمره الله يستحق الثواب على ذلك. فمورد الإجماع هو في الذي يدين بدين آبائه وأجداده وإذا وجد دين الله مخالفاً لدين أسلافه، ترك دين الله واتبع أسلافه، فهذا هو المذموم بلا نزاع.

ثم قولكم: أن ما لا يعرف باستدلال فهو تقليد، فهذا زعمكم ولا بد من دليل عليه، وإنما العلماء متفقون على أن من دان بكتاب الله وسنة نبيه وإجماع أمته فهو متبع لا مقلد! ولا يعرف عن أحد منهم أنه ألزم المسلمين بمنهج الاستدلال والنظر سواكم.

فإن قالوا: قول الله عز وجل:] إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون وقال تعالى:] قال أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم وقال تعالى:] أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون وقال تعالى:] وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا [. فقالوا: قد ذم الله تعالى اتباع الآباء والرؤساء، ونحن على يقين أنه لا يعلم أحد أي الأمرين أهدى، ولا يعلم علم الآباء والرؤساء أو جهلهم إلا بالدليل والنظر!

يقال: هذه النصوص وأمثالها ليست في مورد النزاع، وإنما نزلت في قوم منكرين أصلاً لنبوة الأنبياء والرسل وبما جاءوا به، ولهذا أنكر عليهم الله سبحانه تركهم السماع لرسله وتقليدهم لعقيدة أسلافهم، مع أنهم يعتقدون في قرارة أنفسهم أن ما جاء به الأنبياء حق، كما قال تعالى:] وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً [الآية، فلو نزّلتم مثل هذه الآيات على من آمن بالنبي r وبما جاء به دون أن يستدل وينظر، فقد قستم المؤمن الموقن على الكافر الجاحد، وهذا من أبطل القياس عند كل عاقل، وهو من صنيع الخوارج الضلال الذين ينزلون النصوص التي وردت في الكافرين على المؤمنين.

ثم ينبغي أن يُعلم أنّ الناس صنفان: فمن كان منهم تنازعه نفسه إلى البرهان والنظر في إثبات وجود ووحدانية الباري وصحة دعوة الرسل، ولا تستقر نفسه إلى تصديق ما جاء به رسول الله r حتى يسمع الدلائل والبراهين العقلية، فهذا فرض عليه طلب الدلائل، لأنه إن مات شاكاً أو جاحداً قبل أن يسمع من الأدلة ما يثلج صدره، فقد مات كافراً وهو مخلد في النار بلا خلاف من أحد من أهل الإسلام، وإنما وجب على من هذه صفته طلب البرهان والدليل العقلي على التوحيد، لأن فرضاً عليه طلب ما فيه نجاته من الكفر وبالتالي الخلود في النار، قال الله عز وجل:] قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة [الآية، فقد افترض الله عز وجل على كل أحد أن يقي نفسه وأهله النار، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب كما تقرر في الأصول؛ وعلى مثل هذا الصنف أعني من شك في دين الله، تتنزل تلك النصوص التي فيها الأمر بالتفكر والنظر، كقوله تعالى:] أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم [الآية، وقوله:] قل سيروا في الأرض فانظروا [الآية، ونحوها من الآيات وهي كثيرة في الكتاب العزيز. فهؤلاء صنف، وهم الأقل من الناس، وتجد الكثير منهم هم من غير المسلمين إذا أرادوا أن يعتنقوا الإسلام، فيبحثوا عن الدلائل العقلية على صحته، ويلزم مثل هؤلاء إذا أرادوا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير