تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقادته الحيرة إلى الشك في دينه، فترك الصلاة مدة، ثم استغرق في التفكير والتأمل، حتى انقدح في ذهنه جوابا خرج به عليهم قائلا: " هو هذا الهواء مع كل شيء وفي كل شيء ولا يخلو من شيء ". وهذا الجواب الذي هو أساس نفي الصفات. فمن يبحث يجد أن نفي الصفات هو من قول طائفة من زنادقة الهند.

ثم خطا الجهم خطوة أخرى وهي أنه نصَّب نفسه عالما وراح يُدلي بدلوه في القضايا التي كان الجدال محتدما حولها ومنها قضية الإيمان، واعتمادا على عقله أخذ يفكر ثم خرج بما قاله في الإيمان، وهو أن الإيمان المعرفة والكفر هو الجهل، فمن عرف الله بقلبه فهو مؤمن، دونما حاجة إلى قول باللسان ولا عمل بالجوارح ــ على حد قول الجهم وهو مخطأ ــ.

ثم خطا جهم خطوة أخرى أسوء من هذا كله، وهي أنه تعصب لمذهبه، وأخذ يبحث في الشاذ والغريب من أقول العلماء، ولوازم الأقوال ليثبت مذهبه.

فهاتان خطوتان رئيستان:

الأولى: التكلم عن جهل، أو أن يعتقد الرجل أن العلم كله عنده فحين يُسأل يجيب بما عنده وهو قليل ولا يراجع أهل العلم، أو يعتمد على عقلة ويُنشأ أقيسه مَغْلوطة.

والثانية: وهي التعصب لهذا الرأي المنبثق أساسا من الجهل. ويذهب صاحبة للنصوص الشرعية ليحملها على القول بهذا الباطل.

وواصل بن عطاء ورؤوس علم الكلام وكذا الفلاسفة، وكثير من المعاصرين الذين يدّعون (العقلانية) و (الحداثة)، ليسوا ببعيدين عن هذا التشخيص.

ووجه الشبه بين هؤلاء جميعا ــ مع اختلاف ما يخرج منهم من دعاوى ــ هو: قلة العلم الشرعي مع القناعة الداخلية عند الشخص بأنه ليس في حاجة أن يراجع قبل الفتوى أو حين التفكير في أمر ما.

فتجد اليوم مثلا من يتصدر لقضايا الأمة المصيرية وهو لا يستطيع أن يقرأ كتاب الله بصورة صحيحة، ولا يحفظ كثيرا ولا قليلا من سنة رسوله ــ صلى الله عليه وسلم ــ، ومع ذلك يتكلم في الولاء والبراء، وأحكام الديار، ومصادر الأدلة ... الخ مما أحسب أنه لا يفهمه إن شُرح له.

ويقع نفر ممن نحسن الظن بهم في شيء من هذا ــ وأرجو أن تتسع الصدور فما أردت إلا الخير ـــ فمثلا شيخٌ ما. . . ممن لا نعلم عنه إلا الخير ــ ولا أعني أحدا بعينه علم الله ــ يشتهر بالكلام في الوعظ أو الأدب أو في فرع ما من فروع العلم، ويكون فيه متخصصا ثم بعد أن يشتهر ويعرفه الناس، يتصدر للكلام في غير تخصصه، ويزدادُ الطين بله إذا ركب رأسه وتعصب لرأيه.

وهؤلاء بالتأكيد ليسوا مُضلين، بل هم كرام أفاضل، ولكن هو نوع من الخطأ يشترك في أُسِّه مع خطأ هذا النوع من المضلين الذي أتكلم عنه لذا وجب التنبيه عليه هنا. و " الدين النصيحة ".

الحالة الثانية: التوفيقيون.

حدث أن تأثر الفكر الإسلامي عدة مرات بالأفكار الوافدة عليه، حين قوته في العصور الأولى، وحين ضعفه في العصور المتأخرة مع الموجة الثانية من الحملات الصليبية المسماة تاريخيا بالاستعمار الأوربي للعالم الإسلامي.

في العصور الأولى حين التقى الفكر الإسلامي بالفكر الفلسفي الشرقي ـ اليوناني ـ خرج التوفيقيون علينا وحاولوا التوفيق بين الفلسفة والفكر الإسلامي وانتهى الأمر بما عرف بعلم الكلام، والفلسفة الإسلامية.

وفي العصر الحديث ــ بعد أن اجتاح الصليبيون البلاد الإسلامية فيما عرف بالاستعمار الأوربي للعالم الإسلامي ــ برز فريق من المنهزمين للذّود عن الدين والنهوض بالأمة .. نهضوا بروح منهزمة منبهرة بعدوها، فالتفتوا إلى عدوهم ينظرون حاله .. ثم التفوا حول النصوص وحملوها وساروا بها على هوى الغرب تارة وعلى هوى الشرق تارة أخرى.

هالَهم هجوم الغرب الكافر والشرق الملحد على شرائع الإسلام وشعائره فراحوا يعيدون قراءة الدين من جديد كي يستقيم ومفاهيم القوم، وواضح هذا جدا في كتابات رفاعة الطهطاوي حيث قارن بين الدستور الفرنسي وقواعد الأحكام الشرعية عندنا وقال: إنهما سواء!؛ وليسوا سواء.

وقارن بين الولاء والبراء عندنا وحب الوطن عند القوم وقال: إنهما سواء؛ وليسوا سواء. ... الخ ما كتبه في رسائله.

ومن بعده جاء من (المنهزمين) من قال بأن الاشتراكية من الإسلام. وأن أول اشتراكيي عرفه التاريخ كان من الصحابة رضوان الله عليهم ـ يعني أبا ذر رضي الله عنه!! ــ وقال بوحدة الأديان وتكاملها!!

وكله جهل وكذب

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير