تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما بالنسبة للأمر الأول وهو أن ما حصل من حاطب يعتبر موالاة للكفار لأجل الدنيا , فمما يدل على ذلك من كلامه قوله:" وَقَدْ تَحْصُلُ لِلرَّجُلِ لرحم أو حاجة , فتكون ذنبا ينقص به إيمانه , ولا يكون به كافرا , كما حصل من حاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين ببعض أخبار النبي , وأنزل الله فيه (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة) " ([8]) , وقال أيضا عن فعل حاطب:"فهذه أمور صدرت عن شهوة وعجلة لا عن شك في الدين , كما صدر عن حاطب التجسس لقريش مع أنها ذنوب ومعاصي يجب على صاحبها أن يتوب , وهي بمنزلة عصيان أمر النبي صلى الله عليه وسلم" ([9]).

فابن تيمية في هذه النصوص يذكر أن ما حصل من حاطب يعتبر موالاة للكفار وموادة لهم , وأنه يعتبر من التجسس على المسلمين , وذكر أن ما حصل منه ليس شكا في الدين , وإنما حصل عن شهوة وعجلة.

وأما بالنسبة للأمر الثاني وهو عدم الحكم على فعل حاطب بالكفر , أو القول بأن حاطبا فعل ما هو كفر , وهذا الأمر يثبت من كلامه بطرق منها:

1 - تصريحه بأن حاطبا لم يفعل ما هو كفر , وفي هذا يقول:" وَقَدْ تَحْصُلُ لِلرَّجُلِلرحم أو حاجة , فتكون ذنبا ينقص به إيمانه , ولا يكون به كافرا , كما حصل من حاطب بن أبي بلتعة " فهذا نص في أن ما فعله حاطب لم يكن كفرا.

2 - شرحه لحديث أهل بدر وبيانه أنه في كبائر الذنوب , ونفيه أن يكون في ما هو شرك أو في ما هو صغيرة , وفي هذا يقول:" قوله لأهل بدر ونحوهم:" اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" إن حمل على الصغائر أو على المغفرة مع التوبة , لم يكن فرق بينهم وبين غيرهم , فكما لا يجوز حمل الحديث على الكفر , لما قد علم أن الكفر لا يغفر إلا بالتوبة , لا يجوز حمله على مجرد الصغائر المكفرة باجتناب الكبائر" ([10]) , فابن تيمية صرح هنا أنه لا يصح حمل هذا الحديث على ما هو كفر , فالذنوب المغفورة في هذا الحديث هي الكبائر , ومن المعلوم أن هذا الحديث قاله النبي صلى الله عليه وسلم جوابا على عمر رضي الله عنه لما حكم على حاطب بالنفاق , فيدل هذا الكلام على أن ما فعله حاطب ليس كفرا عند ابن تيمية , ولهذا حمل الحديث على الكبائر.

ولهذا صرح أن ذنب حاطب مغفور بذلك العمل العظيم الذي هو شهوده بدرا , فقال:"وكان فيهم حاطب بن أبي بلتعه , وكانت له سيئات معروفة , مثل مكاتبته للمشركين بأخبار النبي صلى الله عليه وسلم , وإساءته إلى مماليكه , ..... وثبت في الصحيح أنه لما كتب إلى المشركين يخبرهم بمسير النبي إليهم أرسل علي بن أبي طالب والزبير إلى المرأة التي كان معها الكتاب فأتيا بها , فقال:"ما هذا يا حاطب , فقال: والله يا رسول الله ما فعلت ذلك ارتدادا عن ديني , ولا رضيت بالكفر بعد الإسلام , ولكن كنت امرءا ملصقا في قريش لم أكن من أنفسهم , وكان من معك من أصحابك لهم بمكة قرابات يحمون بها أهاليهم , فأحببت إذ فاتنى ذلك أن أتخذ فيهم يدا يحمون بها قرابتى , فقال عمر بن الخطاب: دعني أضرب عنق هذا المنافق , فقال النبي: "إنه قد شهد بدرا وما يدريك أن الله قال اعملوا ما شئتم قد غفرت لكم" , وفي هذا الحديث بيان إن الله يغفر لهؤلاء السابقين -كأهل بدر والحديبية- من الذنوب العظيمة بفضل سابقتهم وإيمانهم وجهادهم ما لا يجوز لأحد أن يعاقبهم بها كما لم تجب معاقبة حاطب مما كان منه " ([11])

3 - تصريحه بأن عمر أخطأ في حكمه على حاطب بكونه نافق ,وجعله اجتهاد عمر من الخطأ المغفور , وفي هذا يقول:"والخطأ المغفور في الاجتهاد هو في نوعي المسائل الخبرية والعلمية كما قد بسط في غير موضع كمن اعتقد ثبوت شيء لدلالة آية أو حديث وكان لذلك ما يعارضه ويبين المراد ولم يعرفه مثل من اعتقد أن الذبيح إسحاق لحديث اعتقد ثبوته .... أو اعتقد أن من جس للعدو وعلمهم بغزو النبي صلى الله عليه وسلم فهو منافق , كما اعتقد ذلك عمر في حاطب , وقال دعني اضرب عنق هذا المنافق , أو اعتقد أن من غضب لبعض المنافقين غضبة فهو منافق كما اعتقد ذلك أسيد بن حضير في سعد بن عبادة , وقال انك منافق تجادل عن المنافقين" ([12]) , فقد نص هنا على أن عمر كان مخطأ في حكمه على حاطب بكونه قد نافق مع أنه قرر أن حاطباً قد تجسس على المسلمين , والتسلل نوع من الموالاة , ويؤخذ من هذا أيضاً أن ابن تيمية لا يرى

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير