القراءة لمزيد من البحث في تراثنا التربوي. لن أكرر ما سبق أن كتبته في كتبي من مثل تعليقة أصول التربية ومختصر تراثنا التربوي ولكن سأكتب فصلاً جديداً وثيق الصلة بالقراءة كي أثري الموضوع ويمكن الرجوع لإصداراتي الأخرى للاحاطة بمشروع إحياء التعليقة.
التعليقة مذكرة لتدوين ملاحظات منظمة في موضوعات معينة يظفر بها الإنسان من مطالعة الكتب أو سماع المحاضرات، أو مقابلة الباحثين، وإجراء التجارب، وإعمال الذهن. تتميز التعليقة الجيدة بدقة التنظيم وتحتوي على إضافات الكاتب على بعض فقراتها لئلا ينساها مع طول الزمان ولكي يراجعها من حين لآخر وينقلها للآخرين بطريقة موضوعية. التدوين الشخصي من أفضل وسائل المعرفة والتعلم والتربية لأنه لسان حال الفرد عندما يكتسب المهارات والمعارف المفيدة فتبقى وقلما تنسى.
تيسر التعليقة المطالعة لأن القارئ سيحرص على اصطياد المعلومات التي تستحق التدوين خشية من نسيانها السريع بل التعليقة - بمعنى تدوين المعلومات الجوهرية من الضوابط العامة اللازمة في منهجية قراءة كتب العلم والتنقل في أرجاء المصادر المعرفية.
يضع آل الشيخ (2003 م) في كتابه المنهجية في قراءة كتب العلم فكرة تدوين الملاحظات الضرورية ضمن ضوابط القراءة المنهجية فيقول "إنّ كتب أهل العلم المطولة والمتوسطة والمختصرة، تحتاج من القارئ ومن طالب العلم إلى تدوين للمهم منها، فالقراءة وحدها غير مجدية، فلابد مع القراءة من تدوينٍ وكتابة، وكم سمعنا في كتب أهل العلم، وفيما خلّفوه مختصرات للكتب، تجد مثلا العالم الفلاني اختصر الكتاب الفلاني، واختصر الكتاب الفلاني، واختصر الكتاب الفلاني، لمَ؟
هل هو رغبة في الاختصار من حيث هو؟ لا، الاختصار نوع فهمٍ للمختصر، ولذلك انتخاب طالب العلم من كتب أهل العلم ما ينفعه في فهم العلم هذا مهم فتأخذ مثلا في قراءتك في المختصرات أو في المطولات تأخذ الفوائد لتجعلها في كُنَّاشَةٍ مستقلة، في دفتر مستقل، وهذه الفوائد تترقى معك، بترقي عمرك في طلب العلم".
من الهواجس التي تعتري كاتب التعليقة أنه يستصغر بعض المعلومات ويتهاون في تدوينها فيقول "هذه لم أحتج أنْ أكتبها، لظنه أنها صارت واضحة عنده، فمن سهولتها قال لا احتاج إلى كتابتها، وهذا غير صحيح فإنما تتضح بالانتخاب، يعني أنّك إذا قرأت كتابًا، فاجعل دائما بجنبك الدفتر والقلم، واكتب الفوائد التي تمر بك، اكتبها تارة بالعنوان، ترجع إليها في وقت فراغك وتملي، وتارة تكتبها بالتفصيل حتى تراجعها مرّةً وثانيةً وثالثةً، فإذا اتضحت، صار ما بعدها من العلم أيسر، كما تعلّم الصغير ألف باء تاء ثاء، فإنّ العلم كذلك يحتاج إلى تعود، هذه بعض الضوابط العامة في قراءة كتب أهل العلم بعامة " (آل الشيخ، 2003 م).
التعليقة للأطباء والفقهاء وغيرهم هي مذكراتهم الدراسية والعلمية أو الحواشي التي يدونونها بجانب الأصول التي يدرسونها وكانوا أحياناً يسمون التعليقة كناشة وجمعها كنانيش.
الكُناش لفظ سرياني بمعنى المجموعة، والتذكرة وينادي بعض العلماء اليوم بضرورة الكناش لأنه يساعد على حفظ العلم ويسمونه (حِفظ كتاب) وذلك أن تقييد العلم بالكتابة أمان من الضياع وقصر لمسافة البحث عند الاحتياج. فالكناش يشمل ما يراد تعليقه وما قام المتعلم بجمعه ولقد كان طلاب المفسر عبدالرحمن السَّعدي (1307 – 1376 هـ = 1888 – 1957 م) "يأخذون مذكرات صغيرة يجعلونها في الجيب كلما ذكر الإنسان منهم مسألة قيدها، إما فائدة علم في خاطر، أو مسألة يُسأل عنها الشيخ فيقيدها، فاستفادوا بذلك كثيراً" (ابن عثيمين، 1422 هـ، ص 136).
يعقوب السيرافي المعروف بالساهر كان عارفا بصناعة الطب وصنف كناشاً يذكر فيه أدوية الأمراض وذكر في كناشة عن حياته والأمراض التي أصابته. قال ابن أبي أصيبعة في طبقات الأطباء "وللساهر من الكتب كناشة وهو الذي يعرف به وينسب إليه وهو مما استخرجه وجربه في أيام حياته" (ص 260، انظر أيضا عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة، ص 264). وكان بعضهم يؤلف كناشا كبيرا لابنه كما فعل بختيشوع بن جرجس لابنه جرجس في القرن الرابع الهجري وكتب المؤرخون عن الطبيب تياذوق (ت 90 هـ) فقالوا أنه ألف كناشا كبيرا في زمن الحجاج.
¥