تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الثاني: أننا قد بينا بطلانه عن ابن عباس رضي الله عنهما وقد سبق، وروي عنه أنه سئل عن المسافر يصلي خلف المقيم فقال (يصلي بصلاته) إلا أنها من رواية ليث بن أبي سليم –وهو ضعيف-، وأما فعل ابن عمر رضي الله عنهما فهو صحيح عنه رواه مسلم من حديث نافع عنه قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين، وأبو بكر بعده، وعمر بعد أبي بكر، وعثمان صدراً من خلافته، ثم إن عثمان صلى بعد أربعاً، فكان ابن عمر إذا صلى مع الإمام صلى أربعاً وإذا صلاها وحده صلى ركعتين) والكلام على هذا الحديث من وجهين:

الأول: أن صلاته هنا هي في (منى) مع الإمام الأعظم، و (الخلاف شر) كما قال ابن مسعود رضي الله عنه في هذا الباب.

الثاني: أن هذا فعل لابن عمر ليس قولاً، ولم ينه عن القصر، ومن المعلوم أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم -وهو المبلغ عن ربه – بمجرده لا يدل على الوجوب إلا بقرينة –كتفسير أمرٍ ونحوه-، فالصحابي من باب أولى.

ولكن قد روى البيهقي (3/ 157) من طريق عبد الوهاب بن عطاء عن سليمان التيمي عن أبي مجلز قال: قلت لابن عمر: المسافر يدرك ركعتين من صلاة القوم - يعني المقيمين - أتجزيه الركعتان أو يصلي بصلاتهم؟ قال: - فضحك - وقال: يصلي بصلاتهم، ورواه بنحوه ابن أبي شيبة (1/ 335) من طريق هشيم عن التيمي به، وهذا إسناد صحيح.

3 - أما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه) ومفارقة إمامه اختلاف عليه , فلم يجز مع إمكان متابعته.

فلا يصح هذا الاستدلال إلا على من أجاز القصر مطلقاً حتى لو أدرك أكثر من ركعتين، أما من قال بالقصر إذا أدرك ركعتين فأقل فلا يصح الاستدلال عليه بهذا لوجهين:

الوجه الأول: أن الاختلاف هنا اختلاف في النية لا في الأفعال، والمحظور اختلاف الأفعال، يدل عليه باقي الحديث (فإذا ركع فاركعوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً)، وفي مسألتنا لا يوجد اختلاف في الأفعال، بل الاختلاف في النية.

الوجه الثاني: أن هذا منتقض بصلاة المتنفل بالمفترض –كصلاة معاذ رضي الله عنه العشاء بقومه وقد صلاها مع النبي صلى الله عليه وسلم -، ومنتقض بصلاة المفترض بالمتنفل كقول النبي صلى الله عليه وسلم للرجلين (إذا صليتما في رحالكما ثم جئتما والإمام يصلي فصليا معه تكون لكما نافلة)، وقوله لأبي ذر (صل الصلاة لوقتها فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة)، فإن هذه الأحاديث تدل على أن اختلاف النية لا يؤثر في صحة الصلاة.

4 - أما دليل من أجاز القصر للمسافر إذا أدرك أقل من ركعة وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة)، فإذا أدرك أكثر من ركعة لزمه صلاة المقيم، وإن أدرك أقل من ركعة فإنه لم يدرك صلاة المقيم فلا يلزمه الإتمام، فإنه لا يصح الاستدلال به؛ لأن المراد هنا إدراك الفضيلة كالوقت أو الجماعة، ولا يراد بذلك إدراك صفة صلاة الإمام؛ لأنه ينتقض بما سبق بيانه من صحة جواز صلاة المتنفل خلف المفترض، وصلاة المفترض خلف المتنفل، وليس إدراك أحد من هؤلاء ركعة مع الإمام بناقل له من النفل إلى الفرض أو العكس، بل يبقى كل منهم على صلاته مع اختلاف نيتهم، بل وينتقض بما رواه مالك في الموطأ بأسانيد صحيحة عن سالم بن عبد الله عن أبيه، وعن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب، وعن زيد بن أسلم عن أبيه، كلهم عن عمر رضي الله عنه أنه صلى بأهل مكة وقال (يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفْر)، – وروي مرفوعاً بسند فيه ابن جدعان–؛ فإنهم أدركوا معه أكثر من ركعة فلم يؤثر إدراكهم الركعة على نيتهم مع مخالفتهم نية الإمام.

5 - أما استدلال من رأى القصر مطلقاً فيرده حديث (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا ركع فاركعوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً)؛ فإنه إذا أدرك معه أكثر من ركعتين فاكتفى بهما فقد اختلف على إمامه قطعاً، وهو منهي عنه بنص هذا الحديث، و النهي هذا للتحريم؛ للوعيد الشديد الذي جاء في الأحاديث الأخرى على من خالف إمامه، بينما الصحيح في القصر أنه سنة مؤكدة من خالفها فقد أساء وصحت صلاته، والسنة تترك في مثل هذا الموضع؛ لوجوب متابعة الإمام، إلا إذا وجد دليل يجيز مخالفة المأموم للإمام – ولا أعلم وجوده –، إلا في صلاة الخوف، ولا يصح القياس عليها؛ لأنها خاصة في موضع الخوف وتخالف الصلوات في أمور متعددة.

فتبين مما سبق:

أن الصحيح – إن شاء الله تعالى – أن المسافر إذا أدرك ركعتين فأقل مع الإمام فإنه يقصر صلاته؛ لأنه بهذا يوافق الأصل في صلاة المسافر، ولا يخالف أي نص، والاختلاف الحاصل بينه وبين إمامه هو اختلاف نية لا يضر، ويدرك الفضيلتين: فضيلة الجماعة، وفضيلة القصر، وإذا أدرك أكثر من ركعتين فإنه يصلي بصلاة الإمام؛ لأنه لو قصر صلاته فإنه سيختلف على إمامه، وهو منهي عنه.

هذا ما ظهر لي، والله تعالى أعلم،

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

لمزيد من الرسائل تفضل بزيارة موقع ناصر بن حمد الفهد

http://www.al-fhd.com

قلت:

وبمثل قول الشيخ أقول، وكنت كتبت مقالا فيها فأيدني حفظه الله، ثم توسع هذا التوسع العلمي.

http://saaid.net/Doat/ehsan/43.htm

ومن نقل لي تراجع الشيخ ابن عثيمين يبدو أنه وهم ولست متأكدا الآن منه إلا أن الشيخ الطيار نفى ذلك.

والله أعلم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير