تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ورددتُ على أحدِ الإخوة بخصوصِ مجسمِ الكعبةِ في ماليزيا، وردي برقم (31)، والذي يظهرُ لي أن سدَ البابِ من أجل ذريعةِ الشركِ هو الأولى، ولعلكم تنظرون في ردي المشار، وتعطوني رأيكم فيه.

ـ[عصام البشير]ــــــــ[03 - 05 - 04, 03:18 م]ـ

- أخي المفضال محمد رشيد:

أعتذر عن التأخر في الرد، وذلك لأسباب شخصية قاهرة.

واعلم أنك لم تكن بحاجة إلى الاعتذار أصلا، فإن مقصودي كان تلطيف الجو الذي يدور فيه النقاش، لا غير.

وأما سؤالك: هل يحتاج التعليم إلى بناء نموذج للكعبة؟

فأقول: قد سبق في كلامي مع الأخ الحنبلي السلفي أن قلت ما معناه أن الأمر قد يحتاج فعلا، إذا تعلق الأمر ببعض العوام من كبار السن الذين لا يحسنون التعامل مع الأدوات التعليمية الحديثة.

هذا رأيي الخاص، وقد بنيته على مشاهداتي لبعض الحجاج المغاربة، بل ولبعض (مرشديهم الدينيين)، الذين قد يكونون أكثر من العوام.

ومن باب الطرفة: ما حدثني به أحد الثقات أن أحد هؤلاء المرشدين الدينيين المرافقين للحجاج المغاربة طلب ممن معه من الحجاج ألا ينفروا إلى عرفة يوم التاسع، بل يبقون إلى اليوم التالي، وذلك لأن هلال ذي الحجة لم ير في المغرب إلا يوما بعد أهل الجزيرة. وفوجئ المساكين في اليوم التالي بتضييعهم لركن الحج الأعظم.

أما في ماليزيا، فيحتاج الأمر إلى تدقيق. ومع ذلك فإنني لا أظن بأن وراء بناء هذا المجسم هناك أيادي خفية لأعداء الدين، ولينظر ما ذكرته آنفا في جواب الأخ الحنبلي السلفي.

وأما ما أنكرته علي من التفريق بين أصل المسألة وبين النظر إلى ملابساتها، فأرجو أن تعيد النظر فيه مليا، لأنني أخشى أن يكون الخلاف بيننا لفظيا.

مع أنك في الأصل أنت الداعي إلى التفرق بين الأمرين، وقلت باللفظ: أنا لا أدري متى يفرق طلبة العلم بل و بعض المشايخ بين أصل الحكم أو الحكم على صورة المسالة مستقلة، و بين النظر فيما يحيط بصورة المسألة. اهـ

ثم عدت في تعليقك الآخر، فأنكرت التفريق.

والقضية بكل بساطة هي:

توجد مسائل كثيرة في الشرع يمكن أن نقول فيها مثلا: هي في الأصل جائزة لكن نحرمها - أو نكرهها – سدا للذرائع. وأخرى نقول فيها: هي حرام في الشرع.

وأنت لا تخالف في هذا البتة.

لكن أنت تعلم الفرق الجلي بين النوعين، وذلك من أوجه:

- أن أصل سد الذرائع مختلف في الاحتجاج به.

- أن تطبيقه يحتاج إلى فقه بالشرع وبالواقع.

- أن التأثير الذاتي البشري لمن يحتج به أكثر ظهورا منه في غيره من الأصول. فسد الذرائع في مسائل التوحيد وفقه اللباس والزينة مثلا يختلف بين علماء الجزيرة وعلماء مصر ولا شك.

هذا هو الفرق الذي ما زلت أدعو إليه. وما تدخلت في هذا النقاش من الأصل إلا لأن أخانا محمدا ابن يوسف خلط الأمرين، وجعل هذا الفعل المسؤول عنه محرما لذاته لأنه عبادة مصروفة لغير الله، لا لأنه وسيلة إلى الشرك مثلا.

أما مسألة التفريق بين مقام الفتوى ومقام المذاكرة العلمية فأمر لا محيص عنه، وغريب جدا ألا توافقني عليه. وما زلنا في هذا الملتقى نتذاكر مسائل الفقه، ولا نعتبر أنفسنا مفتين إلا في النادر.

وقد أناقش المسألة فأذكر أدلة المخالف، وأسوقها سياق المقر بها، لعلي أحظى من المحاورين برد قوي عليها.

أما عند الفتوى، فأذكر الحكم لا غير، وقد أردفه بالدليل عند الحاجة.

والذي أعتقده أن كثيرا من رواد الملتقى يستطيعون الإفتاء في المسائل الفقهية المشهورة، والتي بحثها المتقدمون من الفقهاء. أما النوازل العصرية – ومنها مسألتنا – فمرجعها إلى أهل الفتوى، وهم كبار العلماء، أو المجامع الفقهية المتخصصة.

وقد أعجبني ما نقله الأخ الفاضل عبد الرحمن السديس عن الشيخ البراك من قوله: ((وأرى أن يوجه هذا السؤال للهيئات العلمية كهيئة كبار العلماء، ويدرس دراسة نزيهة بالتحري والنظر إلى العواقب .. والله أعلم)).

هذا هو سبيل السلامة في الفقه حقا.

ولا أقصد بالمفتي من نصب للفتوى السياسية التمييعية. فذاك لا عبرة بقوله وفاقا ولا خلافا.

أما أمثلتي عن وجه المرأة والنظر إليه، فمقصودي أنك لم تلتزم بمبدأ سد الذريعة. وبيان الأمر كما يلي:

- قولك: ((إنني أنظر في وجه المرأة حين الخطاب و التعامل نظرا لا شهوة فيه و لا فتنة، و لو شعرت بخلاف ذلك أغض بصري فورا .. و كثير من العوام يتعاملون مع الوجه تعاملا عاديا لا شيء فيه))

هذا مما تنازعون فيه، والكثير قد لا يسلمونه لكم.

وعلماء الجزيرة بالذات ينكرون مثل هذا القول، ويجعلون الفتنة بالوجه أكثر من الفتنة بالشعر مثلا.

أرأيت أن سد الذرائع يختلف من بيئة إلى أخرى؟

هذا الذي قصدت الوصول إليه بالمثال المطروح.

- قولك بالتعارض بين سد الذرائع والضرورة فيه نظر. فالضرورة تقدر بقدرها، والجمع أولى من الترجيح. فيمكن أن يقال: يجب على المرأة أن تغطي وجهها سدا لذريعة الافتتان بها، ويجوز لها أن تكشفه أو تكشف طرفا منه عند الحاجة (والتعبير بالحاجة هنا أولى من الضرورة)، ثم تعود إلى الأصل الذي هو تغطيته.

أليس هذا الجمع أولى من أن يقال بكشف الوجه مطلقا؟

ثم إنك لم تجبني عن قيادة المرأة للسيارة؟

فإنك تعلم أن علماء الجزيرة يكادون يطبقون على التحريم سدا للذريعة. وهذا الحكم قد لا يستساغ في بيئات إسلامية أخرى، بل قد لا تُفهم هذه الذريعة التي يراد سدها، في بيئة أو مجتمع غير بيئة الجزيرة.

فما رأيك، دام عزك وفضلك؟

***********

أما وصفي لك آنفا بالتمكن من الفقه وأصوله، فشيء قصدته حقا وصدقا، وذلك من خلال كتاباتك في الملتقى. ولو كنت تعرفني شخصيا، لعلمتَ أنني لا أحب أن أَمدح ولا أن أُمدح، لكنني أحب قول الحق ما أمكنني ذلك.

والسلام عليكم ورحمة الله.

الأخوين الشيخين الفاضلين عبد الرحمن السديس وعبد الله زقيل:

جزاكما الله خيرا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير