تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما قوله عن بحرية بأنها مجهولة (وقد سبقه بذلك الدارقطني)، فإن قصد برواية الحديث، فنعم ليست من رواة الحديث. وإنما هي تابعية جليلة معروفة، تزوجت اثنين من سادة قريش وصالحيهم. أبوها هو هانئ بن قبيصة بن هانئ بن مسعود بن أبي ربيعة، أحد سادة بني شيبان، وله خطبة شهيرة في موقعة ذي قار. وقد تزوجت أحد المبشرين بالجنة وأنجبت له عروة بن عبد الرحمن بن عوف القرشي. ثم تزوجت التابعي الجليل عبيد الله بن عمر بن الخطاب، حتى قتل في صفين مع معاوية، وكانت منحازة لعلي. فعادت إلى أهلها في الكوفة، وهناك تزوجت من القعقاع بن شور الشيباني في غيبة أبيها، قبل هروب القعقاع إلى معاوية. والقعقاع فارس مشهور، ويضرب به المثل في المجالسة، لقصة مشهورة عند معاوية. حتى قال فيه الشاعر:

ولا يشقى بقعقاعٍ جليس * وكنت جليس قعقاع بن شور

فالمقصود أن هؤلاء كلهم من المشاهير. وهذه القصة مشهورة كذلك. فمن المحال أن يرويها أبو إسحاق الشيباني وهو ثقة فقيه، وهي باطلة لم تحدث. لكن جاء في مصنفي عبد الرزاق وابن أبي شيبة ما يشعر بأن خالها هو الذي تولى عقدة النكاح، وهذا أقرب للصواب.

أما الاحتجاج بزواج الرسول ? من أم سلمة ? بغير ولي، مع توكيل طفلها بمباشرة العقد (كما فعل الطحاوي في مختصر اختلاف العلماء 2\ 249) فهو مردود، لأن راوي القصة –وهو ابن أم سلمة– مجهول. ولو صحت، لكان فيها حجة قوية على أبي حنيفة الذي يجيز للمرأة تولي العقد بنفسها.

قال ابن حزم: وصح عن ابن سيرين في امرأة لا ولي لها فولت رجلا أمرها فزوجها، قال ابن سيرين: «لا بأس بذلك. المؤمنون بعضهم أولياء بعض». ومن طريق عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر عن نافع قال: «وَلّى عمر بن الخطاب ابنته حفصة أم المؤمنين ماله وبناته ونكاحهن، فكانت حفصة أم المؤمنين ? إذا أردات أن تزوج امرأة أمرت أخاها عبد الله فيزوج». وعن عبد الرزاق عن ابن جريج أنه سأل عطاء عن امرأة نكحت بغير إذن ولاتها وهم حاضرون فقال: «أما امرأة مالكة أمر نفسها، إذا كان بشهداء، فإنه جائز بغير أمر الولاة». وقال أبو ثور: «لا يجوز أن تزوج المرأة نفسها، ولا أن تزوجها امرأة. ولكن إن زوجها رجل مسلم، جاز. المؤمنون إخوة بعضهم أولياء بعض». وهو مذهب الأوزاعي. وقال أبو سليمان: «البكر فلا يزوجها إلا وليها، وأما الثيب فتولى أمرها من شاءت من المسلمين ويزوجها وليس للولي في ذلك اعتراض». قلت: وقال الزهري والشعبي عن التزويج بغير ولي: «إن كان كُفُؤاً جاز». أخرجه ابن أبي شيبة (3\ 457) عنهما بإسنادين صحيحين.

4– مذهب من قال بأن النكاح يستلزم موافقة المرأة فحسب، ويجوز أن تعقد العقد بنفسها. وهذا هو مذهب أبي حنيفة (وقد خالفه صاحباه)، لكن مباشرة المرأة للعقد مكروه عنده. ويجوز للولي الاعتراض على غير الكفء. جاء في البحر الرائق (3\ 117): «إنما يطالب الولي بالتزويج، كيلا تنسب إلى الوقاحة. ولذا كان المستحب في حقها تفويض الأمر إليه. والأصل هنا: أن كل من يجوز تصرفه في ماله بولاية نفسه، يجوز نكاحه على نفسه. وكل من لا يجوز تصرفه في ماله بولاية نفسه، لا يجوز نكاحه على نفسه. ويدل عليه قوله تعالى {فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ... } (230) سورة البقرة. أضاف النكاح إليها. ومن السنة حديث مسلم: «الأيم أحق بنفسها من وليها». وهي من لا زوج لها: بكراً كانت أو ثيباً. فأفاد أن فيه حقَّين: (1) حقه وهو مباشرته عقد النكاح برضاها، (2 حقها) وقد جعلها أحقّ منه. ولن تكون أحق إلا إذا زوّجت نفسها بغير رضاه». كما احتج أبو حنيفة بالقياس على البيع، فإنها تستقل به.

قال الحنفية: لا خلاف في أن المرأة البالغة العاقلة لها أن تتصرف في مالها بكافة التصرفات المالية من بيع وإيجار ورهن وغيرها. فيكون لها كذلك أن تتصرف في نفسها بالزواج. لأن الكلّ حقٌّ خالِصٌ لها. وإذا كان إعطاء المرأة هذا الحق يترتب عليه الخوف من لحوق الضرر بالولي، فقد تداركنا ذلك باشتراط الكفاءة فيمن تختاره المرأة زوجاً لها، محافَظَةٌ على كيان الأسرة وسمعتها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير