تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويقول ابن القيم - مقرراً تلك الحاجة: (اعلم أن حاجة العبد إلى أن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً في محبته، ولا في خوفه، ولا في رجائه، ولا في التوكل عليه، ولا في العمل له، ولا في الحلف به، ولا في النذر له، ولا في الخضوع له، ولا في التذلل والتعظيم، والسجود والتقرب، أعظم من حاجة الجسد إلى روحه، والعين إلى نورها، بل ليس لهذه الحاجة نظير تقاس به؛ فإن حقيقة القلب روحه وقلبه، ولا صلاح لها إلا بإلهها الذي لا إله إلا هو، فلا تطمئن في الدنيا إلا بذكره .. ولا صلاح لها إلا بمحبتها وعبوديتها له، ورضاه وإكرامه لها) (5).

وأما عن تعريف العبادة، فالعبادة لغةً: من الذلّ، يقال: بعير معبّد، أي مذلل.

وقد تنوّعت أقوال العلماء في تعريف العبادة:

فقال ابن جرير: (معنى العبادة الخضوع لله بالطاعة، والتذلل له بالاستكانة) (6)، وفسّر ابن عباس - رضي الله عنهما - العبادة بالتوحيد (7).

وقال القاضي أبو يعلى: (حقيقة العبادة هي الأفعال الواقعة لله - عز وجل - على نهاية ما يمكن من التذلل والخضوع المتجاوز لتذلل بعض العباد) (8).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة) (9).

وفصّل ابن القيم التعريف السابق بقوله: (وبنى (إياك نعبد) على أربع قواعد: التحقق بما يحبه الله ورسوله ويرضاه من قول اللسان والقلب، وعمل القلب والجوارح. فالعبودية اسم جامع لهذه المراتب الأربع، فأصحاب (إياك نعبد) حقاً هم أصحابها، فقول القلب: هو اعتقاد ما أخبر الله - سبحانه - به عن نفسه، وعن أسمائه وصفاته وأفعاله وملائكته ولقائه على لسان رسله.

وقول اللسان: الإخبار عنه بذلك، والدعوة إليه والذبّ عنه وتبين بطلان البدع المخالفة له، والقيام بذكر وتبليغ أوامره.

وعمل القلب: كالمحبة له، والتوكل عليه، والإنابة إليه، والخوف منه، والرجاء له، وإخلاص الدين له، والصبر على أوامره، وعن نواهيه، وعلى أقداره، وغير ذلك من أعمال القلوب.

وأعمال الجوارح: كالصلاة والجهاد، ومساعدة العاجز والإحسان إلى الخلق، ونحو ذلك) (10).

وقال بعضهم: (العبادة ما أمر به شرعاً من غير اطِّراد عرفي ولا اقتضاء عقلي) (11).

وبالنظر إلى هذه التعريفات المتعددة نرى أن الخلاف بينها يكاد أن يكون من خلاف التنوع؛ وذلك أن العبادة قائمة على أصلين كبيرين، وهما: غاية الخضوع وكماله، وغاية الحبّ وكماله. فعرّف ابن جرير وأبو يعلى العبادة بالخضوع - والسلف قد يعرِّفون الشيء ببعض أفراده - ومرادهم بالخضوع - ها هنا - ما كان مقترناً بالمحبة والتعظيم كما هو ظاهر عبارة أبي يعلى في قوله: (نهاية ما يمكن من التذلل والخضوع) فنهاية الخضوع وكماله لا تتحقق إلا بالمحبة والتعظيم.

وأما ابن تيمية وابن القيم فقد عرّفا العبادة بما يحبه الله ويرضاه باعتبار أن العبادة هي أعلى مراتب الحبّ .. ولذا يقول ابن تيمية: (فأصل المحبة المحمودة التي أمر الله بها، وخَلقَ لأجلها، هي ما في عبادته وحده لا شريك له؛ إذ العبادة متضمنة لغاية الحب بغاية الذل) (12).

وأما تعريف ابن عباس - رضي الله عنهما - للعبادة بالتوحيد، فهو اعتبار العبادة المقبولة، فلا تقبل العبادة عند الله - تعالى - إلا بتحقيق التوحيد، وأما العبادة من حيث هي فهي أعم من كونها توحيداً عاماً مطلقاً، فكل موحد عابد لله - تعالى -، وليس كل من عبد الله - تعالى - يكون موحداً (13).

وأما من عرّف العبادة بما أمر به شرعاً من غير اطِّراد عرفي ولا اقتضاء عقلي، فهو باعتبار أن الشرع هو مورد العبادة وضابطها، فلا تخضع العبادة لاطراد العرف، بل قد تكون مضادة لعوائد وأعراف، كما أن العبادة لا تخضع لاقتضاء العقل واستحسانه؛ فمن العبادات الشرعية ما تكون محيّرة للعقول (*). والله أعلم.

ومن قواعد هذا الموضوع:

أن الحبّ الخلي عن ذل، والذل الخلي عن حبّ لا يكون عبادة؛ فالعبادة ما يجمع كمال الأمرين: كمال الحبّ وغايته، وكمال الذلّ وغايته.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير