قال المصنف: الشيء الواحد اعتبره باختلاف حال رائيه. فإن لبس الرفيع في الشتاء، أو لمريض بالبرودة: نكد. وبالضد من ذلك في الصيف. ولأرباب الحرارة وللعزب: تزويج حسن هين لين. ولأرباب البنايات: أماكن حسنة، ويدل على معاشرة من فيه خلق حسن. ولأرباب الأسفار: طريق سهلة. ولأرباب الحوائج: تيسير أمور. ولأرباب الخُرَاجات، والقروح في البدن: عافية. ونحو ذلك. وبالعكس عكسه. فعلمنا بذلك أنه إذا أراه إنسان طرقاً، أو رآه جماعة مختلفو الأحوال، اختلف الحكم باختلاف الحال كما ذكرنا. والله تعالى أعلم. فافهم ذلك.
وإذا اشتركت أشياء في وصف واحد، وتكررت في المنام؛ الغالب أن يكون الحكم واحداً في الأشياء الردية.
واعتبر ألفاظ الناس بالنسبة إلى اصطلاح جنس الرائي. كما إذا دل البطيخ على النكد من بطاط أو خائن لاشتقاق ذلك. وهو عند بعض لغة الحجاز دال على النكد من محبة وعشرة؛ لأنه بلغتهم حب حب. ونحو ذلك فافهم.
وإذا كان لأحد عادة بحلق رأسه أو لحيته وقد طالت في اليقظة - ولم يكن حدث نفسه بزوال ذلك - فهو دال من الخير على ما ذكرنا. ولو كان محلوقاً أو حدث نفسه بزواله فلا حكم له. كما أنها إذا كانت في اليقظة محلوقة ولم يكن أضمر بقاء الشعر دل على الدَّيْن والهموم والأمراض والكلام الردي. ونحو ذلك والعياذ بالله تعالى.
وحلق اللحية أو الرأس عند من يستحسن ذلك: خير وذهاب نكد. كما أن ذلك نكد وخسران عند من يكرهه.
وهذا الحكم أصل كبير. وهو مما يغفل عنه أكثر أرباب هذا الشأن. ولا يجوز إهماله أصلاً، فإن أكثرهم حكم برداءة ذلك، وليس بصحيح، بل اعتبر ما ذكرناه من أحوال أولئك كما تقدم، ولا تغفل عنه تخطئ. والله سبحانه وتعالى أعلم. ([18])
وإن كنا قد نقلنا تلك الأقوال من كتب التعبير وتفسير الأحلام فلننظر إلى أقوال أخرى لعلماء تعرضوا لهذا العلم ولهذه القاعدة أو إعتمدوا هذه القاعدة.
قال ابن جزى الكلبى الفقيه المالكى: وقد تعبر الرؤيا الواحدة لإنسان بوجه ولآخر بوجه آخر حسبما يقتضيه حالها. ([19])
قال الملا على القاري: «والحاصل أن الرؤيا مختلفة باختلاف الرائي فإنه قد يكون سالكا من مسالك طريق الدنيا وقد يكون سائرا في مسائر صراط العقبى فلكل تأويل يليق به ويناسب بحاله ومقامه وهذا أمر غير منضبط ولذا لم يجعل السلف فيه تأليفا مستقلا جامعا شاملا كافلا لأنواع الرؤيا وإنما تكلموا في بعض ما وقع لهم من القضايا ولذا لم تلق معبرين يكونان في تعبيرهما لشيء متفقين». ([20])
قال المناوي: وقال المسيحي الفيلسوف: لكل علم أصول لا تتغير وأقيسة مطردة لا تضطرب إلا تعبير الرؤيا فإنها تختلف باختلاف أحوال الناس وهيئاتهم وصناعتهم ومراتبهم ومقاصدهم ومللهم ونحلهم وعاداتهم. ([21])
قال البغوي: وقد يتغير التأويل عن أصله باختلاف حال الرأي كالغل في النوم مكروه، وهو في حق الرجل الصالح قبض اليد عن الشر، وكان ابن سيرين يقول في الرجل يخطب على المنبر يصيب سلطانا، فإن لم يكن من أهله يصلب، وسأل رجل ابن سيرين قال: رأيت في المنام كأني أؤذن، قال: تحج، وسأله آخر، فأول بقطع يده في السرقة، فقيل له في التأويلين، فقال: رأيت الأول على سماء حسنة، فأولت قوله سبحانه وتعالى (وأذن في الناس بالحج) [الحج: 27] ولم أرض هيئة الثاني، فأولت قوله عز وجل) ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون. [يوسف: 70] ([22])
قال أبو العباس القرطبي: وقد تأوَّل ـ صلى الله عليه وسلم ـ السيف هنا بالقوم الذين كانوا معه، الناصرين له أخذًا من معنى السيف لأنه به ينتصر على الأعداء، ويعتضد في اللقاء، كما يعتضد بالأنصار والأولياء. وقد يُتأوَّل على وجوه متعددة في غير هذا الموضع، فقد يدلّ على الولد، والوالد، والعم، والعصبة، والزوجة، والسلطان، والحجَّة القاطعة، وذلك بحسب ما يظهر من أحوال الرائي والمرئي، ووقت الرؤيا. ([23])
فالمعتبر في أعظم أصول العبارة النظر إلى أحوال حوال الرائي واختلافها، فقد يرى الرائيان شيئًا واحدًا، ويدل في حق أحدهما على خلاف ما يدل عليه في حق الآخر. ([24])
¥