تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فَيَشْتَرِك فِي الْحُرْمَة مَعَ أَوْلَادهَا , فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا رَضَاعَة مُعْتَبَرَة إِلَّا الْمُغْنِيَة عَنْ الْمَجَاعَة أَوْ الْمُطْعِمَة مِنْ الْمَجَاعَة , كَقَوْلِهِ تَعَالَى (أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوع) وَمِنْ شَوَاهِده حَدِيث اِبْن مَسْعُود " لَا رَضَاع إِلَّا مَا شَدَّ الْعَظْم , وَأَنْبَتَ اللَّحْم " أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا , وَحَدِيث أُمّ سَلَمَة " لَا يُحَرِّم مِنْ الرَّضَاع إِلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاء " أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَصَحَّحَهُ. وَيُمْكِن أَنْ يُسْتَدَلّ بِهِ عَلَى أَنَّ الرَّضْعَة الْوَاحِدَة لَا تُحَرِّم لِأَنَّهَا لَا تُغْنِي مِنْ جُوع , وَإِذَا كَانَ يَحْتَاج إِلَى تَقْدِير فَأَوْلَى مَا يُؤْخَذ بِهِ مَا قَدَّرَتْهُ الشَّرِيعَة وَهُوَ خَمْس رَضَعَات , وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ التَّغْذِيَة بِلَبَنِ الْمُرْضِعَة يُحَرِّم سَوَاء كَانَ بِشُرْبٍ أَمْ أَكْلٍ بِأَيِّ صِفَة كَانَ , حَتَّى الْوَجُور وَالسَّعُوط وَالثَّرْد وَالطَّبْخ وَغَيْر ذَلِكَ إِذَا وَقَعَ ذَلِكَ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُور مِنْ الْعَدَد لِأَنَّ ذَلِكَ يَطْرُد الْجُوع , وَهُوَ مَوْجُود فِي جَمِيع مَا ذُكِرَ فَيُوَافِق الْخَبَر وَالْمَعْنَى وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُور. لَكِنْ اِسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّة الْحُقْنَة وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ اللَّيْث وَأَهْل الظَّاهِر فَقَالُوا إِنَّ الرَّضَاعَة الْمُحَرِّمَة إِنَّمَا تَكُون بِالْتِقَامِ الثَّدْي وَمَصّ اللَّبَن مِنْهُ , وَأَوْرَدَ عَلِيّ بْن حَزْم أَنَّهُ يَلْزَم عَلَى قَوْلهمْ إِشْكَال فِي اِلْتِقَام سَالِم ثَدْي سَهْلَة وَهِيَ أَجْنَبِيَّة مِنْهُ , فَإِنَّ عِيَاضًا أَجَابَ عَنْ الْإِشْكَال بِاحْتِمَالِ أَنَّهَا حَلَبَتْهُ ثُمَّ شَرِبَهُ مِنْ غَيْر أَنْ يَمَسّ ثَدْيهَا , قَالَ النَّوَوِيّ: وَهُوَ اِحْتِمَال حَسَن , لَكِنَّهُ لَا يُفِيد اِبْن حَزْم , لِأَنَّهُ لَا يُكْتَفَى فِي الرَّضَاع إِلَّا بِالْتِقَامِ الثَّدْي , لَكِنْ أَجَابَ النَّوَوِيّ بِأَنَّهُ عُفِيَ عَنْ ذَلِكَ لِلْحَاجَةِ. وَأَمَّا اِبْن حَزْم فَاسْتَدَلَّ بِقِصَّةِ سَالِم عَلَى جَوَاز مَسّ الْأَجْنَبِيّ ثَدْي الْأَجْنَبِيَّة وَالْتِقَام ثَدْيهَا إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْتَضِع مِنْهَا مُطْلَقًا ; وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الرَّضَاعَة إِنَّمَا تُعْتَبَر فِي حَال الصِّغَر لِأَنَّهَا الْحَال الَّذِي يُمْكِن طَرْد الْجُوع فِيهَا بِاللَّبَنِ بِخِلَافِ حَال الْكِبَر , وَضَابِط ذَلِكَ تَمَام الْحَوْلَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي التَّرْجَمَة , وَعَلَيْهِ دَلَّ حَدِيث اِبْن عَبَّاس الْمَذْكُور وَحَدِيث أُمّ سَلَمَة " لَا رَضَاع إِلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاء وَكَانَ قَبْل الْفِطَام " وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن حِبَّان , قَالَ الْقُرْطُبِيّ: فِي قَوْله " فَإِنَّمَا الرَّضَاعَة مِنْ الْمَجَاعَة " تَثْبِيت قَاعِدَة كُلِّيَّة صَرِيحَة فِي اِعْتِبَار الرَّضَاع فِي الزَّمَن الَّذِي يُسْتَغْنَى بِهِ الرَّضِيع عَنْ الطَّعَام بِاللَّبَنِ , وَيُعْتَضَد بِقَوْلِهِ تَعَالَى (لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ) فَإِنَّهُ يَدُلّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمُدَّة أَقْصَى مُدَّة الرَّضَاع الْمُحْتَاج إِلَيْهِ عَادَة الْمُعْتَبَر شَرْعًا , فَمَا زَادَ عَلَيْهِ لَا يَحْتَاج إِلَيْهِ عَادَة فَلَا يُعْتَبَر شَرْعًا , إِذْ لَا حُكْم لِلنَّادِرِ وَفِي اِعْتِبَار إِرْضَاع الْكَبِير اِنْتَهَاك حُرْمَة الْمَرْأَة بِارْتِضَاعِ الْأَجْنَبِيّ مِنْهَا لِاطِّلَاعِهِ عَلَى عَوْرَتهَا وَلَوْ بِالْتِقَامِهِ ثَدْيهَا. قُلْت: وَهَذَا الْأَخِير عَلَى الْغَالِب وَعَلَى مَذْهَب مَنْ يَشْتَرِط اِلْتِقَام الثَّدْي , وَقَدْ تَقَدَّمَ قَبْل خَمْسَة أَبْوَاب أَنَّ عَائِشَة كَانَتْ لَا تُفَرِّق فِي حُكْم الرَّضَاع بَيْن حَال الصِّغَر وَالْكِبَر , وَقَدْ اِسْتَشْكَلَ ذَلِكَ مَعَ كَوْن هَذَا الْحَدِيث مِنْ رِوَايَتهَا وَاحْتَجَّتْ هِيَ بِقِصَّةِ سَالِم مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَة فَلَعَلَّهَا فَهِمَتْ مِنْ قَوْله " إِنَّمَا الرَّضَاعَة مِنْ الْمَجَاعَة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير