في المسألة قولان: القول الأول: يجب الإمساك والقضاء.
أما وجوب الإمساك فلا شك فيه، ولا يعلم الشيخ فيه خلافاً، ودليله: أن النبي?حين وجب صوم عاشوراء أمر المسلمين بالإمساك عن الصيام في أثناء النهار فأمسكوا. [البخاري] ولأن هذا اليوم من رمضان فهو يوم له حرمته، ولا يمكن أن تنتهك بالفطر.
أما القضاء فإنه يلزم، لأن من شرط صيام الفرض: أن ينوي قبل الفجر لأنه إذا لم ينو في أثناء اليوم صار الصائم صائماً نصف يوم، وقد قال النبي?:?إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى? فلا يجزئ، وعلى هذا فيلزمه القضاء لهذه العلة.
القول الثاني يجب الإمساك دون القضاء قال به شيخ الإسلام وتعليله:
أن هؤلاء الذين يأكلون ويشربون قبل ثبوته بالبينة كانوا يأكلون ويشربون بإذن الله، فقد أحله الله لهم، فهم لم ينتهكوا له حرمة، بل هم جاهلون يدخلون في عموم قوله تعالى:?ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا?. وبناء على قوله: لو لم تكن البينة إلا بعد غروب شمس ذلك اليوم لا يلزمهم قضاؤه. فإذا كان الشهر تسعة وعشرين يوماً فقد صاموا ثمانية وعشرين يوماً.
وأجاب شيخ الإسلام على قولنا: ويشترط أن ينوي من الفجر:
بأن النية تتبع العلم، والله لا يكلف أحداً أن ينوي ما لا يعلم، والعلم لم يحدث إلا أثناء النهار. أي: لو أخر النية بعد العلم لا يصح صومه، ولا يكلف أن ينوي قبل أن يعلم.
والقياس: أن من أكل ظاناً غروب الشمس فتبين له أنها لم تغرب، أو من أكل شاكاً في طلوع الفجر ثم تبين أنه قد خرج فإن صومه صحيح.
ولا شك أن تعليله قوي يرحمه الله، ولكن يقال: أن من أفطر قبل غروب الشمس ظاناً غروبها، أو من أكل بعد طلوع الفجر ظاناً أن الليل باق كان عنده نية، وهي نية الصوم، فأكل في آخر النهار ظاناً أن الوقت قد انقضى، أما هؤلاء فليس عندهم نية أصلاً، ولهذا كان الخلاف في المسألتين الأخيرتين أشهر من الخلاف في المسألة الأولى.
وكون الإنسان يقضي يوماً ويبرئ ذمته عن يقين خير له من كونه يأخذ برأي شيخ الإسلام رحمه الله وإن كان له حظ من النظر. [341]
مسألة: ما الذي يلزم الحائض والنفساء إذا طهرتا أثناء رمضان، والمسافر المفطر إذا قدم أثناء النهار؟
في المسألة قولان: الأول: أنه يلزمهم الإمساك والقضاء. أما الإمساك فلزوال المانع، وأما القضاء فلعدم توفر النية من أول النهار. الثاني: أنه يلزمهم القضاء دون الإمساك؛ لأن النهار في حق الحائض والنفساء غير محترم؛ إذ يجوز لهما الفطر في أول النهار ظاهراً وباطناً. وكذلك فإن الإمساك لا تستفيدان منه شيئاً، ولكنه مجرد حرمان لهما.
وأيضاً المسافر لأنه يجوز له الفطر في أول النهار ظاهراً وباطناً، وهذا هو الراجح.
وكذلك يلحق بهذه المسألة: المريض إذا برئ أثناء النهار. [343]
مسألة:إذا تجدد سبب الوجوب. مثلا: إذا بلغ أثناء النهار، أو عقل أثناءه، أو اسلم كافر:
فإنه يجب عليه إمساك بقية اليوم، ولا يجب عليه القضاء.
مسألة: إذا أفطر الإنسان لكبر أو مرض لا يرجى برؤه:
الحكم: أن يطعم عن كل يوم مسكيناً. (أما كيفية الإطعام وكميته فراجع ص:4) [347]
أحوال المريض، ومتى يجوز له الفطر، ومتى لا يجوز:
1 - إذا كان الصوم يشق عليه ويضره، كالمصاب بالكلى والسكر، فالصوم في حقه: حرام لقوله تعالى: ?ولا تقتلوا أنفسكم?.
2 - إذا كان الصوم يشق عليه ولا يضره: فهذا يكره صومه، ويسن فطره.
3 - إذا كان لا يتأثر بالصوم، مثل: الزكام اليسير، والصداع، وما أشبه ذلك؛ فهذا لا يحل له الفطر. [352]
مسألة:لو سافر من لا يستطيع الصوم لكبر أو مرض لا يرجى برؤه؟
هو كالمقيم تجب عليه الفدية، فيطعم عن كل يوم مسكيناً؛ لأن الفدية لا فرق فيها بين السفر والحضر. [356]
مسألة: إن نوى حاضر صيام يوم ثم سافر في أثنائه:
له الفطر؛ استدلالاً بعموم قوله تعالى:?ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر? يعني فأفطر فعدة من أيام أخر، وهذا الآن سافر وصار على سفر فيصدق عليه أنه ممن رخص له بالفطر فيفطر.
وقد جاءت السنة بهذا من حديث جابر رضي الله عنه: أن رسول الله?خرج إلى غزوة الفتح فصام حتى بلغ كُرَاع الغَمِيم ... فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب والناس ينظرون إليه. [رواه مسلم]
والآثار عن الصحابة رضي الله عنهم كثيرة في هذا الباب. [357]
¥