تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذا بين جدا بحمد الله، فهلاّ تَبَنّى الآخذُ قولَ ابنِ المبارك قوله كله بتمامه ونتائجه وحقيقته! ا. هـ

وعلى هذا الكلام ملاحظات:

فهم حفظهم الله لم يأخذوا بقول ابن المبارك كله، ولا بتمامه ولا نتائجه ولا حقيقته.

بدءا من هذا النقل وهذه الزيادة.

فهلا تأمل المشايخ قوله: " أما في القياس فلا طلاق ولا ميراث "

ما معنى هذه الجملة؟ هل فهموا معناها؟

وهلا استفادوا من السياق التي ذكرت فيه.

ما هو الأمر الذي يوجب فيه القياس منع الطلاق والميراث؟

ليس هناك ما يوجب منع الطلاق والميراث إلا الكفر، فإن كان ابن المبارك لا يُكَفّر تارك الصلاة فكيف يعترف بأن القياس يمنع من الطلاق والميراث في حق التارك، مع خلو التارك من الكفر الذي هو المانع الوحيد بذاته من الإرث والتطليق؟ لقد جاءت هذه الزيادة ضمن كلام لإسحاق بن راهويه يشرح فيه عبارات لابن المبارك، آخرها تلك الزيادة.

ومن هذه العبارات قول ابن المبارك:

" إذا قال لا أصلى العصر يومي هذا فهو أكفر من الحمار "

فقوله: " أكفر من الحمار " عند من أنصف وابتعد عن تكلف التأويلات المستنكرة هي صريحة في الكفر الأكبر.

وفي لفظ عنه:

" من قال: إني لا أصلي المكتوبة اليوم فهو أكفر من الحمار "

وفي رواية أخرى من طريق ابن معين عنه:

" من ترك صلاة متعمدا من غير علة حتى أدخل وقتا في وقت فهو كافر "

لقد نبه الإمام ابن نصر بواسطة كلام إسحاق إلى معنى لتلك الزيادة يبطل المعنى الذي ذهب إليه المشايخ , ويستقيم مع ما جاء فيها من قوله: " أما في القياس فـ ... "

فقد ذكر الإمام ابن نصر مبحثا حول مسألة قضاء الصلاة بالنسبة للتارك , وتعرّض من خلاله لذكر ما ذهب إليه بعض أهل العلم من التفريق بين الكافر المرتد والكافر الأصلي، من أنه يلزم الأولَ القضاءُ بعكس الثاني فلا يلزمه (2)

وهنا ذكر ابن نصر كلام إسحاق بن راهويه وهو يوجه عبارة لابن المبارك، فقال إسحاق:

" فمن هنا خاف ابن المبارك أن يقيس أمر تارك الصلاة في الإعادة , على ما جاء أنه كفر (3) فيجعله كالمشرك , ورأى أحكام المرتدين على غير أحكام الكفار، رأى قوم أن يورثوا المسلمين من ميراث المرتد (4) فأخذ بالاحتياط فرأى القضاء على تارك الصلاة عمدا، وكان يكفره إذا تركها عمدا حتى يذهب وقتها وإن كان مقرا بها.

قال: أخبرني بذلك سفيان بن عبد الملك والقاسم بن محمد عن ابن المبارك "

إلى أن قال إسحاق:

" وأكثر أهل العلم على إعادة الصلاة إذا تاب من تركها والاحتياط في ذلك.

فأما من مال إلى ما قال الحسن: إذا ترك صلاة متعمدا لا يقضيها، فهو كما قال ابن المبارك: الإعادة لا تستقيم على الحديث , ثم ترك القياس في ذلك , فاحتاط في القضاء وقال فيه كما قال في النكاح بغير ولي , إنه فاسد يفرق بينهما.

قال سفيان: فقيل لابن المبارك: أيتوارثان إن مات , أو إن طلقها يقع طلاقه عليها؟

فقال: أما في القياس فلا طلاق ولا ميراث ولكن أجبن "

قال إسحاق: وهكذا جل مذهبه في الأحكام: الاحتياط إذا انقطع الأصل " ا. هـ

فأنت ترى أن السياق بين لك معنى الزيادة تماما.

فابن المبارك احتاط وتورع لوجود مذهب لأهل العلم يرى بتوريث المرتد، وتارك الصلاة عنده

مرتد، فخاف من القول بعدم التوريث لأن فيه منعا لشيء ربما يكون حقا للممنوع , ولأجل هذا قال: " أجبن "

وقوله في الزيادة نفسها: " أما في القياس فلا طلاق ولا ميراث " برهان ظاهر على سلامة المعنى الذي ذهب إليه إسحاق.

والمعنى أن أحكام الكفر توجب أن لا طلاق ولا ميراث، والمرتد من أهل الكفر، فالقياس يوجب ذلك , ولكن لوجود قول لأهل العلم يُفرق في بعض الأحكام بين المرتد والكافر الأصلي , فأنا أجبن عن مخالفة هذا القول، لما في المخالفة من تضييع لبعض الحقوق.

ومنه تعلم أن المعنى الذي حمل عليه المشايخ تلك الزيادة , هو مخالف لحقيقة قول ابن المبارك وذلك من عدة جهات:

أولا: من جهة مخالفته لظواهر بعض الآثار المنقولة عن ابن المبارك والتي تدل بظاهرها على تكفيره لتارك الصلاة وتقدم بعضها.

ثانيا: أنه حمل للزيادة على معنى ـ أكثر ما يقال فيه أنه محتمل ـ دون مُرجِّح , بل منازَع باحتمال آخر يغايره ويضاده.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير