ثالثا: من جهة مخالفة هذا المعنى للمعنى الذي رجحه العلماء الذين نقلوا تلك الزيادة , وهم إسحاق وابن نصر، وهما أعلم بها.
رابعا: أن المعنى الذي ذهب إليه إسحاق وابن نصر موافق لمنهجية الإمام ابن المبارك في هذه المسائل وأمثالها , منهج الاحتياط والتورع في بعض الأحكام المتعلقة بالمرتد من حيث مخالفته للكافر الأصلي.
خامسا: أن ذلك المعنى الذي حمل عليه المشايخ تلك الزيادة مخالف للمعروف عن ابن المبارك
من خلال نقول أهل العلم , فقد ذكر الإمام ابن عبد البر في التمهيد , والإمام عبد الحق الإشبيلي في كتابه الصلاة , وابن رجب في فتحه , وابن القيم في الصلاة، وغيرهم كثير من أهل العلم أن ابن المبارك من ضمن العلماء المكفرين لتارك الصلاة.
سادسا: أن ذلك المعنى الذي ذهب إليه المشايخ مخالف لما جاء في الزيادة نفسها من قوله:
" أما في القياس فلا طلاق ولا ميراث "
سابعا: أن عبد الله بن المبارك قد ثبت عنه بالصريح أنه يكفر تارك الصلاة، وينكر بالصريح على من ينسب له عدم التكفير.
فقد روى عنه يعمر بن بشر أنه قال:
" من أخر الصلاة حتى يفوت وقتها متعمدا من غير عذر كفر.
ثم قال يعمر: خالفني سفيان وغيره من أصحاب عبد الله و أنكروه، فدخلوا على عبد الله بالزبدانقان، فأخبروه أن يعمر روى عليك كذا وكذا فقال عبد الله:
فما قلت أنت؟
قال: إذا تركها ردا لها.
فقال: ليس هذا قولي قست على يا أبا عبد الله " ا. هـ
فهاهو الإمام ابن المبارك ينكر بنفسه على من يتأول كلامه ممن حملوه على غير التكفير.
لقد كان على المشايخ ألا يكتفوا في كلامهم السابق بعبارة محتملة , وأنه كان عليهم ألا يهملوا بقية الجملة , وأن ينظروا في مجموع كلامه وعباراته حتى يفهموا مراده.
أما أن يجدوا لفظة فيستظهرون منها معنى يوافق ما عندهم فينطلقون به استدلالا ومحاجة ونشرا
فهذا لا يليق.
وأنا لم أفتر على المشايخ شيئا، فعبارتهم سبقت , وحقيقتها لحقت , وكتابهم موجود، ومصادرنا متوفرة.
الوقفة الثانية:
قالوا غفر الله لهم ص (44):
" أما المنقول عن إسحاق بن راهويه مما يظهر منه النزوع إلى التكفير , فإن رواية ابن عبد البر في التمهيد (4/ 225) لكلامه فيها زيادة توضحها، وهي قوله فيمن ترك الصلاة:
" ... حتى يذهب وقتها كافر إذا أبى من قضائها وقال: لا أصليها "، فهذا إشارة إلي امتناع هذا التارك , فكفره هنا كفر امتناع وهذا لا إشكال فيه , وهو محمول على مثل ما تقدم نقله عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله " ا. هـ
هذا كلام المشايخ وقد تضمن أمورا، هي:
1 - أن المنقول عن إسحاق في المسألة ليس بصريح في التكفير وإنما يظهر منه النزوع إلى التكفير.
2 - أن تلك الزيادة: " إذا أبى من قضائها وقال: لا أصليها " هي من صلب كلام إسحاق وهي زيادة ثابتة.
3 - أن المشايخ يُقِرّون كلام إسحاق بناء على ما بُين من معنى الزيادة، بدليل قولهم: " وهذا لا إشكال فيه ".
4 - أن كلام إسحاق مثل كلام شيخ الإسلام.
إما مثل كلامه الوارد في شرح العمدة (2/ 92) وهو الظاهر من كلامهم وقد تقدم نقلهم له،
أو الوارد في المجموع (22/ 47 - 49) ونقلوه أيضا.
أو في كليهما حسب فهمهم له وسيأتي.
- أما الفقرة الأولى فكلام المشايخ المذكور إنما يُعَبّر عن امتناعهم من التسليم لما جاء عن إسحاق مما هو صريح في القول بالتكفير، لأن مثل هذا التعبير منهم أمام عبارات إسحاق الواضحة البينة لا يعني إلا هذا.
وهذا التصرف منهم يعتبر مناقضا للنتيجة التي سلموا بها، وهي أن إسحاق يريد بذلك التكفيرَ وهو منحصر عنده في الامتناع.
فهاهم قد سلموا بتكفيره فهل ارتفع النزوع؟
- أما الزيادة الواردة في التمهيد فهي ليست من لفظ إسحاق، وإنما ذكرها ابن عبد البر من باب الإيضاح يبين بها مراد إسحاق حسب ما فهمه ابن عبد البر.
ويدل على هذا الآتي:
أ- أن تلميذ إسحاق بن راهويه وهو الإمام محمد بن نصر نقل الأثر عن إسحاق في كتابه التعظيم ص (608) سماعا من إسحاق نفسه ولم يذكر تلك الزيادة، وهو أحد تلاميذه الآخذين عنه والمكثرين، بينما ابن عبد البر إنما ولد بعد وفاة إسحاق بمائه وثلاثين سنة تقريبا ولم يذكر الواسطة.
ب- أن الإمام المنذري أيضا ذكر كلام إسحاق دون زيادة ابن عبد البر وذلك في كتاب الترغيب والترهيب (1/ 217)
¥