فهذه النصوص وغيرها تدل على أن كل مصالحة وكل شرط جائزان إلا ما دل الدليل على حرمته، وعلى أن الأصل فيهما هو الإباحة، والحظر يثبت بدليل خاص، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وهذا المعنى هو الذي يشهد عليه الكتاب والسنة ... " (26) ويقول أيضاً: "إن الأصل في الشروط الصحة واللزوم إلا ما دل الدليل على خلافه ... فإن الكتاب والسنة قد دلا على الوفاء بالعقود والعهود، وذم الغدر والنكث ... والمقصود هنا: أن مقتضى الأصول والنصوص: أن الشرط يلزم إلا إذا خالف كتاب الله ... ".
ولا يخفى أن هذه القواعد السابقة تجعل الفقه الإسلامي يقبل بكل عقد، أو تصرف أو تنظيم مالي أو إداري ما دام لا يتعارض مع نصوص الكتاب والسنة، وقواعدها العامة، وأن الشريعة الغراء تجعل كل حكمة نافعة ضالة المؤمن دون النظر إلى مصدرها أو اسمها، وإنما الأساس معناها ومحتواها، ووسائلها وغاياتها، وما تحققه من مصالح ومنافع أو مضار ومفاسد.
خصائص السهم وحقوقه:
للأسهم عدة خصائص من أهمها: تساوي قيمتها حسبما يحددها القانون، وتساوي حقوقها، وكون مسؤولية كل مساهم بقدر قيمة أسهمه، وقابليتها للتداول، وعدم قابلية السهم للتجزئة وأما حقوق السهم فهي حق بقاء صاحبه في الشركة، وحق التصويت في الجمعية العمومية، وحق الرقابة، وحق رفع دعوى المسؤولية على الإداريين، والحق في نصيب الأرباح والاحتياطات والتنازل عن السهم والتصرف فيه، والأولوية في الاكتتاب، وحق اقتسام موجودات الشركة عند تصفيتها. (27)
حكم الأسهم باعتبار نشاطها ومحلها:
ذكرنا أن تقسيم رأس مال الشركة إلى حصص متساوية تسمى بالأسهم جائز ليس فيه أية مخافة لمبادئ الإسلامي وقواعده.
وهنا نذكر بصورة عامة حكم تداول هذه الأسهم والتصرف فيها بالبيع والشراء وغيرهما بصورة عامة، ثم نذكر عند بيان كل نوع من الأسهم حكمه الخاص _بإذن الله تعالى_.
ومن الجدير بالتنبيه عليه أن بعض الباحثين (28) أطلقوا اختلاف العلماء المعاصرين حول الأسهم مطلقاً دون تفصيل من غير أن يجد منهم تصريحاً بذلك بل اعتماداً على ما فهم من آرائهم في الشركات بصورة عامة (29)
وهذا الإطلاق لا ينبغي الركون إليه، إذ إن لازم المذهب ليس بمذهب –كما هو مقرر في الأصول- كما أن جل نقاش هؤلاء العلماء في الشركات التي أنشئت في بلاد الإسلام وليس في الشركات التي حدد نشاطها في المحرمات كالخنزير والخمور ونحوها ... (30)
- ولذلك نقسم الأسهم إلى نوعين: نوع محرم تحريماً بيناً، ونوع فيه النقاش والتفصيل والخلاف.
فالنوع الأول: هو الأسهم التي محلها الخنزير، والخمور والمخدرات، والقمار ونحوها من المحرمات، وكذلك الشركات التي يكون نشاطها محصوراً في الربا كالبنوك الربوية.
فهذه الأسهم جميعها لا يجوز إنشاؤها، ولا المساهمة في إنشائها، ولا التصرف فيه بالبيع والشراء ونحوها، يقول ابن القيم: -بعد أن ذكر الأحاديث الخاصة بحرمة بيع بعض الأشياء-: "فاشتملت هذه الكلمات الجوامع على تحريم ثلاثة أجناس: مشارب تفسد العقول –كالخمر- ومطاعم تفسد الطباع وتغذي غذاء خبيثاً –مثل الميتة، والخنزير- وأعيان –كالأصنام تفسد الأديان وتدعو إلى الفتنة والشرك، فصان بتحريم النوع الأول، العقول عما يزيلها، ويفسدها، وبالثاني القلوب عما يفسدها من وصول أثر الغذاء الخبيث إليها ... ، وبالثالث الأديان عما وضع لإفسادها" (31)
هذا هو المبدأ الذي لا يجوز تجاوزه، ولا ينبغي التوقف فيه، وما سوى هذا النوع من الأسهم الحرام قسمان:
القسم الأول: أسهم لشركات قائمة على شرع الله _تعالى_ حيث رأس مالها حلال، وتتعامل في الحلال، وينص نظامها وعقدها التأسيسي على أنها تتعامل في حدود الحلال، ولا تتعامل بالربا إقراضاً، واقتراضاً، ولا تتضمن امتيازاً خاصًّا أو ضماناً ماليًّا لبعض دون آخر.
فهذا النوع من أسهم الشركات –مهما كانت تجارية أو صناعية أو زراعية- من المفروض أن يفرغ الفقهاء من القول بحلها وحل جميع التصرفات الشرعية فيها؛ وذلك لأن الأصل في التصرفات والعقود المالية الإباحة، ولا تتضمن هذه الأسهم أي محرم، وكل ما فيها أنها نظمت أموال الشركة حسبما تقتضيه قواعد الاقتصاد الحديث دون التصادم بأي مبدأ إسلامي.
ومع ذلك فقد أثير حول هذا النوع أمران:
¥