[حكم ما سكت عنه الوحي]
ـ[نور الدين محمود]ــــــــ[22 - 12 - 05, 06:14 م]ـ
ولا- ليعلم السامعون أن ما كل ما سكت عنه الوحي يمكن أن يكون عفوا، بل الوحي يسكت عن أشياء لا بد البتة من حلها.
ومن أمثلة ذلك مسألة العول، فكما قال الفرضيون: إن أول عول نزل في أيام عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ماتت امرأة وتركت زوجها، وأختيها، فجاء زوجها وأختاها إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال الزوج: يا أمير المؤمنين، هذه تركة زوجتي، ولم تترك ولدا، والله يقول في محكم كتابه: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فهذه زوجتي، ولم يكن لها ولد فلي نصف ميراثها بهذه الآية، ولا أتنازل عن نصف ميراثي بدانق.
فقامت الأختان وقالتا: يا أمير المؤمنين، هذه تركة أختنا، ونحن اثنتان، والله يقول: فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ والله لا نقبل النقص عن الثلثين بدانق. فقال عمر -رضي الله عنه- ويلك يا عمر والله إن أعطيت الزوج النصف لم يبق للأختين ثلثان، وإن أعطيت الثلثين للأختين لم يبق للزوج نصف.
فنقول: يا ابن حزم كيف نسكت عن هذا؟
وكيف يكون هذا عفوا؟ والوحي سكت عن هذا، ولم يبين أي النصين ماذا نفعل فيهما؟ فهذا لا يمكن أن يكون عفوا، ولا بد من حله فلا نقول لهم: تهارشوا على التركة تهارش الحمر، أو ننزعها من واحد إلى الآخر فلا بد من إلحاق للمسكوت عنه بالمنطوق به، وحل معقول بالاجتهاد.
فجمع عمر -رضي الله عنه- الصحابة، وأسف كل الأسف أنه لم يسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن العول في مثل هذا فقال له العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين، أرأيت هذه المرأة لو كانت تطالب بسبعة دنانير دينا، وتركت ستة دنانير فقط ماذا كنت فاعلا؟
قال: أجعل الدنانير الستة سبعة أنصبة، وأعطي لكل واحد من أصحاب الدنانير نصيبا من الستة قال: كذلك فافعل.
أصل فريضتها من ستة؛ لأن فيها نصف الزوج يخرج منه اثنين، وثلثا الأختين يخرج منه ثلاثة. ومخرج الثلث ومخرج النصف متباينان فنضرب اثنين في ثلاثة بستة، ثم اجعل نقطة زائدة هي المسماة بـ العول فهي فريضة عائلة بسدسها إلى سبعة فجعل تركة المرأة سبعة أنصبة، وقال للزوج: لك نصف الستة، وهي ثلاثة. تخرج الثلاثة من سبعة فبقي من السبعة أربعة فقال للأختين: لكما الثلثان من الستة، وهما أربعة فخذاها من سبعة فصار النقص على كل واحد من الوارثين، ولم يضيع نصا من نصوص القرآن.
وكان ابن حزم في هذه المسألة يخطئ جميع الصحابة ويقول: إن العباس مع أئمة الصحابة على غلط، وأن هذا الفعل الذي فعلوا لا يجوز، وأن الحق مع ابن عباس وحده الذي خالف عامة الصحابة في العول وقال: الذي ... لم يجعل في شيء واحد نصفا وثلثين فرأي ابن عباس أن الورثة إذا كان أحدهما أقوى نقدمه، ونكمل له نصيبه، ونجعل النقص على الأضعف.
فابن عباس في مثل هذا يقول: إن الزوج يعطى نصفه كاملا لأن الزوج لا يحجبه الأبوان، ولا يحجبه الأولاد بخلاف الأختين، فهما أضعف سببا منه؛ لأنهما يحجبهما الأولاد، ويحجبهما الأب. قال: ونعطي للأختين نصفا. وهذا تلاعب بكتاب الله.
الله يقول: فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ وهو يقول: فلهما النصف فهذا عمل بما يناقض القرآن مع أن ابن حزم ورأي ابن عباس تقضي عليه وتبطله المسألة المعروفة عند الفرضيين بالمنبرية. وإنما سميت المنبرية؛ لأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه وأرضاه- أفتى بها وهو على المنبر في أثناء خطبته؛ لأنه ابتدأ خطبته على المنبر فقال: الحمد لله الذي يجزي كل نفس بما تسعى، وإليه المآب والرجعى. فسمع قائلا يقول: ما تقولون فيمن هلك عن زوجة، وأبوين، وابنتين؟ فقال علي -رضي الله عنه- صار ثمنها تسعا ومر في خطبته.
وقوله: صار ثمنها تسعا لأن هذه فريضة فيها ابنتان، وأبوان، وزوجة. الابنتان لهما الثلثان، والأبوان لكل واحد منهما السدس فذلك يستغرق جميع التركة، لأن السدسين ثلث، وتبقى الزوجة تعول الفريضة وأصلها من أربعة وعشرين، والأربعة والعشرون ثمنها ثلاثة فيعال فيها بثمن الزوجة، والثمن من أربعة وعشرين ثلاثة.
¥