وجه قول أبي بكر، وصاحبه ما روى الزهري عن عروة عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: كان عندي جاريتان تُغنيان فدخل أبو بكر فقال أمزمور في بيت ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ؟! فقال ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ دعهما فإنها أيام عيد وقال عمر ـ عليه السلام ـ الغناء زاد الراكب.
وكان لعثمان بن عفان جاريتان تغنيان من الليل، فإذا كان وقت السحر قال أمسكا، فهذا وقت الاستغفار، ولأنه صوت بغير آلة فوجب أن يكون مباحاً كالحداء وتشيد الأعراب، وقد قال أحمد ـ رضي الله عنه ـ في رواية جعفر بن محمد، وقد سئل عن حديث عائشة ـ عليها السلام ـ: إن جواري يغنين، أيش هذا الغناء، قال: غناء الراكب، أتيناكم أتيناكم.
ووجه من قال: إنه مكروه، وهو أصح، قوله تعالى: فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور ... .
قال محمد بن الحنيفة: قول الزور: الغناء.
قال تعالى: ومن النناس من يشتري لهو الحديث.
وقال ابن مسعود: لهو الحديث الغناء.
وقال ابن عباس: الغناء وشر المغنيات.
فذم الله تعالى في الآيتين ذلك ثبت أنه ممنوع منه.
وروى القاسم عن أبي أمامة الباهلي أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ نهى عن بيع المغنيات وشرائهن والتجارة فيهن وأكل أثمانهن وثمنهن حرام وروى ابن مسعود عن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل، ولأنه صوت يلذ ويطرب فكان ممنوعاً منه كالأوتار والزمر.)
وقال ابن قدامة:
(فصل:
واختلف أصحابنا في الغناء فذهب أبو بكر الخلال وصاحبه أبو بكر عبد العزيز إلى إباحته، وقال أبو بكر عبد العزيز والغناء والنوح معنى واحد مباح ما لم يكن معه منكر ولا فيه طعن وكانالخلال يحمل الكراهة من أحمد على الأفعال المذمومة لا على القول بعينه.
وروي عنأحمد أنه سمع عند ابنة صالح قوالاً فلم ينكر عليه وقال له صالح يا أبه أليس كنت تكره هذا؟ فقال إنه قيل لي إنهم يستعملون المنكر. وممن ذهب إلى إباحته من غير كراهة سعد بن إبراهيم وكثير من أهل المدينة والعنبري لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت عندي جاريتان تغنيان فدخل أبو بكر فقال: مزمور الشيطان في بيت رسول الله؟ فقال رسول الله: «دعهما فإنها أيام عيد» متفق عليه.
وعن عمر رضي الله عنه أنه قال: الغناء زاد الراكب، واختار القاضي أنه مكروه غير محرم وهو قول الشافعي قال هو من اللهو المكروه، وقال أحمد الغناء ينبت النفاق في القلب لا يعجبني.
وذهب آخرون من أصحابنا إلى تحريمه، قال أحمد فيمن مات وخلف ولداً يتيماً وجارية مغنية فاحتاج الصبي إلى بيعها تباع ساذجة قيل له إنها تساوي مغنية ثلاثين ألفاً وتساوي ساذجة عشرين ديناراً قال لا تباع إلا على أنها ساذجة. واحتجوا على تحريمه بما روي عن ابن الحنفية في قوله تعالى: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} (الحج: 30) قال الغناء، وقال ابن عباس وابن مسعود في قوله {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} قال: هو الغناء.
وعن أبي أمامة «أن النبي نهى عن شراء المغنيات وبيعهن والتجارة فيهن وأكل أثمانهن حرام» أخرجه الترمذي وقال لا نعرفه إلا من حديث علي بن يزيد وقال تكلم فيه أهل العلم وروى ابن مسعود: «أن النبي قال: الغناء ينبت النفاق في القلب» والصحيح أنه من قول ابن مسعود وعلى كل حال من اتخذ الغناء صناعة يؤتى له وويأتي له أو اتخذ غلاماً أو جارية مغنيين يجمع عليهما الناس فلا شهادة له لأن هذا عند من لم يحرم سفه ودناءة وسقوط مروءة ومن حرمه فهو مع سفهه عاص مصر متظاهر بفسوقه وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي وإن كان لا ينسب نفسه إلى الغناء وإنما يترنم لنفسه ولا يغني الناس أو كان غلامه وجاريته إنما يغنيان له انبنى هذا على الخلاف فيه فمن أباحه أو كرهه لم ترد شهادته ومن حرمه قال إن داوم عليه ردت شهادته كسائر الصغائر وإن لم يداوم عليه لم ترد شهادته وإن فعله من يعتقد حله فقياس المذهب أنه لا ترد شهادته بما لا يشتهر به منه كسائر المختلف فيه من الفروع ومن كان يغشى بيوت الغناء أو يغشاه المغنون للسماع متظاهراً بذلك وكثر منه ردت شهادته في قولهم جميعاً لأنه سفه ودناءة وإن كان معتبراً به فهو كالمغني لنفسه على ما ذكر من التفصيل فيه.
فصل:
وأما الحداء وهو الإنشاد الذي تساق به الإبل فمباح لا بأس به في فعله واستماعه لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت كنا مع رسول الله في سفر وكان عبد الله بن رواحة جيد الحداء وكان مع الرجال وكان أنجشة مع النساء، فقال النبي لابن رواحة: حرك بالقوم فاندفع يرتجز فتبعه أنجشة فأعنقت الإبل فقال النبي لأنجشة: رويدك رفقاً بالقوارير» يعني النساء وكذلك نشيد الأعراب وهو النصب لا بأس به وسائر أنواع الإنشاد ما لم يخرج إلى حد الغناء وقد كان النبي يسمع إنشاد الشعر فلا ينكره. والغناء من الصوت ممدود مكسور والغنى من المال مقصور والحداء مضموم ممدود كالدعاء والرعاء ويجوز الكسر كالنداء والهجاء والغذاء.)
¥