تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فمن قال بعموم الآية في حق أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا نساء المؤمنين، فلا إشكال حينئذ، فإنهن مأمورات بالاستتار عن الرجال في كل حال:

- إن كن في البيوت، فبالستائر، والجدر، والأبواب.

- وإن كن خارج البيوت، فبالجلباب الساتر لجميع البدن.

لكن إذا قيل الآية خاصة بالأمهات، فالأقسام ثلاثة:

1 - أن يكون التخصيص في البيوت دون خارجها.

2 - أن يكون التخصيص خارج البيوت دون داخلها.

3 - أن يكون التخصيص في البيوت وخارجها.

فأما القسمان الأولان فباطل، من وجه اجتمعا فيه، وهو: التخصيص في حال، والتعميم في حال.

فهذا التخصيص والتعميم: إبطال للتخصيص من أصله.

لأن مبنى التخصيص هنا هو قولهم: أن الخطاب توجه إلى الأزواج رضوان الله عليهن.

فالقول بعدئذ بعموم بعض أجزاء الخطاب، فيه الإقرار:

بأن مجرد توجه الخطاب إليهن، ليس كافيا في إثبات التخصيص، ولا دليلا عليه.

وهذا إبطال للتخصيص، فللمنازع أن يقول: ما دام بعض الخطاب عاما، فلا مانع من عموم بعضه الآخر. وليس لأهل التخصيص دفع هذا الاعتراض، أو نقضه.

فإن قالوا: الدليل أصله التخصيص، ولا يلغى هذا إلا بدليل يدل على العموم، ففي حال البيوت: دل الدليل على العموم. وفي حال خارج البيوت: لم يدل دليل على العموم، فبقي على أصله.

فيقال: هذا تسليم منكم، بأن مجرد توجه الخطاب إلى الأزواج، ليس دليلا على التخصيص، وهذا مطلوب. وأما دعواكم وجود ما يلغي التخصيص خارج البيوت فمردود بما سبق من الأوجه الثلاثة:

- الأول: عموم العلة يلزم عنه عموم الحكم، وتأكد العلة يلزم عنه تأكد الحكم.

- الثاني: خطاب الواحد يعم الجميع.

- الثالث: التعليل بالحرمة يوجب إلغاء الخصوصية.

وبهذا يثبت العموم، فالآية قطعية الثبوت، ودلالتها على غطاء الوجه قطعية، كما أثبتنا، والقطعية والعموم يثبت وجوب تغطية الوجه على سائر المؤمنات، بلا استثناء.

- وللقسم الأول وجه آخر، ينفرد به، يدل على بطلانه، فإنه معناه:

جواز دخول الأجانب على سائر النساء، سوى الأزواج أمهات المؤمنين، وهذا باطل، لا يقول به أحد، حتى أهل التخصيص؛ لورود النهي عن ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: "إياكم والدخول على النساء" [رواه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب: لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم].

كما أن معناه: أن تغطية الوجه واجب على الجميع: الأزواج، وسائر النساء. وهذا وإن كان صحيحا، لكن لا يقول به أهل التخصيص. فهذا القسم ليس قولا لأهل التخصيص.

- وأما القسم الثاني فباطل، وإن كان يقول به أهل التخصيص، فإن معناه:

أن الحكم عام في البيوت، فلا يدخل أجنبي على المسلمات، ولا الأزواج، لكنه خارجها خاص بالأمهات، دون النساء. وهو باطل، كما تقدم؛ لأن في الإقرار بعموم الخطاب: إبطال للتخصيص.

- وأما القسم الثالث فهو باطل أيضا، وذلك أنه يتضمن أمرين:

- أولا: أن لسائر النساء كشف الوجه والكف خارج البيوت.

- ثانيا: أن لسائر النساء أن يأذنّ للأجانب، بالدخول عليهن بيوتهن، لسؤال متاع.

وهذا التخصيص المطلق، في الحالين، وإن لم يقل به أهل التخصيص، فهو لازم القول بالتخصيص.

إذن النتيجة:

1 - القسم الأول باطل عند الجميع.

2 - القسم الثاني قول أهل التخصيص، وهو باطل؛ لأن فيه إبطال للتخصيص، بتعميم بعض الخطاب.

3 - القسم الثالث باطل عند الجميع، ويلزم أهل التخصيص.

4 - القسم الرابع وهو العموم في الحالين، هو القول الحق والصواب، الخالي من المعارضة.

للعلماء مذاهب في هذه الآية:

- فبعضهم نص على التخصيص صراحة، وهم قلة، ولم أقف، من هذا الصنف، إلا على اثنين، هما: ابن جزي الكلبي في تفسيره، والطاهر ابن عاشور في تفسيره "التحرير والتنوير". هذا من حيث من المفسرين، أما غيرهم، فالمجزوم به: أن كل من يقول بالكشف، فإنه يقول: الآية خاصة بالأزواج.

- وبعضهم لم ينص صراحة على التخصيص، وكلامه محتمل، وحمله على العموم أرجح؛ لأن التخصيص لا يستفاد إلا من صريح القول، ومن هذا الصنف الرازي وأبو السعود.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير