ومما يؤكد أن جملة لا نكاح إلا بولي ليست من أصل الحديث عدم ورودها عند الرواة الآخرين الذين رووه من هذا الطريق، فمن ذلك أن محمد بن سنان القزاز قد رواه عن أبي بكر الحنفي دون هذه الزيادة ([86])، وأن وكيع بن الجراح وأبا داود الطيالسي قد روياه عن ابن أبي ذئب كذلك دون هذه الزيادة ([87]).
وهذا ما يفسر لنا تعليق ابن عدي رحمه الله بقوله: وهذا إنما هو لا طلاق قبل نكاح بهذا الإسناد.
وأما حديث ابن عباس رضي الله عنهما من طريق سعيد بن جبير عنه ففي طريقه الأول عدي بن الفضل، اتفقوا على تضعيفه وقال عنه النسائي وابن معين في رواية: ليس بثقة. وقال أبو حاتم: متروك الحديث. وقال الدارقطني: متروك ([88]). وقد خالفه في رفع الحديث عن ابن خُثيم: سفيان الثوري من الطرق المحفوظة عنه وابن جريج وجعفر ابن الحارث كما سيأتي.
وأما طريقه الثاني فمعلول، رواه عبيد الله بن عمر القواريري وهو متفق على توثيقه ([89]) عن جماعة من الثقات عن سفيان الثوري عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعاً، هكذا رواه عنه اثنان جازمين بالرفع، ورواه عنه ثالث وفيه التردد برفع الحديث، فيبدو أنه وقع له تردد في رفعه بعد أن كان جازماً بالرفع، وقد خالفه في رفع الحديث عن سفيان الثوري وكيع وعبد الرزاق، كما سيأتي، ولهذا قال البيهقي رحمه الله: تفرد به القواريري مرفوعاً،والقواريري ثقة إلا أن المشهور بهذا الإسناد موقوف على ابن عباس ([90]).
ورواية ثقتين بوقف الحديث أولى من رواية ثقة واحد برفعه، وخاصة إذا تردد في رفعه في بعض الأوقات.ثم إذا ارتقينا درجة في سلم الإسناد لوجدنا ابن جريج وجعفر بن الحارث يرويان الحديث عن ابن خثيم موقوفاً، وهذا يؤكد صحة رواية ذينِك الثقتين، وأن الثالث قد وهم.
أما طريق عكرمة عن ابن عباس ففيه الحجاج بن أرطاة، وصفه أحمد والبزار بالحفظ، وضعفه ابن سعد، ولينه سائر النقاد، ووصفوه بالتدليس، وقال أبو حاتم: يدلس عن الضعفاء.وأشار ابن المبارك إلى أنه يدلس عن المتروكين، وقال الدارقطني: كثير الوهَم ([91]). وهو فضلاً عما فيه من لين فإنه لم يصرح بالسماع.
وأما الطريق الذي خلا عن (الحجاج بن أرطاة) وفيه بدلاً منه خالد الحذاء فلا يعول عليه، لأنه معلول. وعلته أن سهل بن عثمان راويَه عن ابن المبارك اختلف عليه فيه، فقال مرة (عن الحجاج بن أرطاة) وقال مرة (عن خالد الحذاء)، وحيث إن أبا كُريب رواه عن ابن المبارك عن (ابن أرطاة) فتبين أن هذه هي الرواية المحفوظة، وأن عبد الله بن المبارك لم يرو هذا الحديث إلا عن الحجاج بن أرطاة، فالطريق التي فيها غير ذلك خطأ ([92]).
وأما طريق عطاء عن ابن عباس ففيه النهاس به قهم، متفق على تضعيفه، وقال ابن معين وأبو حاتم: ليس بشيء ([93]).
وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ففي طريقه الأول عمر بن قيس المكي، متفق على تضعيفه، وقال عمرو بن علي وأبو حاتم والنسائي: متروك الحديث. ([94]).
وفي طريقه الثاني سليمان بن أرقم، قال عنه ابن معين: ليس بشيء، ليس يسوى فلساً. وقال أبو حاتم والترمذي وأبو أحمد الحاكم وغيرهم: متروك الحديث ([95]).
وفي طريقه الثالث المغيرة بن موسى، ضعفه أكثر النقاد، وقال البخاري: منكر الحديث ([96]).
وفي طريقه الرابع أبو عامر الخزاز صالح بن رستم، وثقه أبو داود الطيالسي وأبوداود السجستاني والبزار ومحمد بن وضاح، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال أحمد: صالح الحديث. وقال العجلي: جائز الحديث. وضعفه ابن معين، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال أبو أحمد الحاكم والدار قطني: ليس بالقوي. وقال ابن عدي: وهو عندي لابأس به، ولم أر له حديثا منكراً جداً ([97]). فهذا الراوي من أهل الصدق والعدالة، وصاحب أوهام وأغلاط، وعلى هذين الأمرين تتنزل أقوال الموثقين والمجرحين، والذي يظهر لي أن رفعه لهذا الحديث من أغلاطه، وقد خالفه أيوب السختياني فرواه عن ابن سيرين موقوفاً، كما سيأتي.
¥