أكواب الماء أمام المصلين ... مُحدَث
ـ[أبو عبدالله النجدي]ــــــــ[23 - 11 - 02, 01:16 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة (غير حميدة) في مساجد نجد خاصة، حيث لم أرها في غيرها، وربما كان، لكني لم أرها إلا عندنا، تلكم هي وضع أكواب مياه الشرب أمام المصلين، بحيث يوضع أما م كل مصل كوب ماء مغلف مختوم بخاتم شركة تجارية، ومع قدوم الشهر الكريم تبرز هذه الظاهرة بشكل أكبر، ويتسابق (المحسنون) في توفير الكميات المناسبة من تلك الأكواب، وربما تدخل بعض المساجد فتشاهد أرتالاً من صناديق المياه المعدنية، وكأننا في حمّارة القيظ، أو لكأننا مقبلون على اجتياز فلاة مقفرة، لا زاد فيها ولا ماء!!!
وقد دخلت مسجداً في حيّنا، فإذا محراب المسجد مملوء بصناديق المياه، بشكل فوضوي!
ولهؤلاء نيةٌ حسنةٌ في إدخال تلك الأكواب بين صفوف المصلين، أووضعها أمامهم، إذ ربما عطش أحد المصلين أثناء مقامه في المسجد، و يصعب عليه الخروج من المسجد للشرب، فيجد كأس الماء أمامه. لكن هذه الحسنة (الوحيدة) لهذا العمل، قد احتفت بها مفاسد عدة، وكم من مريدٍ للخير لم يصبه، و إليك بعضاً من تلك المفاسد ـ وسأكتفي بالبعض فقط ـ:
ـ الأصل في مساجد المسلمين أن تكون ساذجة من الزوائد و المحدثات، ممالم يكن في الصدر الأول، حتى ولو لم يقصد بتلك الزوائد المبالغة في التعبد، لأن كثرة الإضافات في بيوت الله تشغل المصلين عن صلاتهم، التي هي المقصد الأول لهذه الصروح الإسلامية، كيف وقد أدخلنا في مساجدنا، بل وفي قبلة الصلاة كثيراً من المشوشات، ولا زالت في ازدياد، ولا ندري إلى أي حد سنصل ـ والليالي حبالى ـ، فإذا دخلتَ المسجد، وشرعت في الصلاة، تشاهد أمامك (علبة المناديل) من نوع (فاين) أو (كلينكس) أو غيرها، وبعض الناس ربما حفظ أثناء الصلاة العبارة المرقومة على تلك العلب مثل: (مناديل بيضاء ناعمة ومعطرة)!!!
وبجانبها ـ أحياناً ـ منشورات خيرية حول (الحجاب) مثلاً، وربما رسم على غلافه امرأة متحجبة!!!
أو ربما ترى مطوية بعنوان (دعوة إلى التوبة) مثلاً، وقد رسم على صدرها (عين) دامعة، بألوان فاقعة، فتنقضي الصلاة في تأمل تلك (الزوائد). ولا يفهم من هذا التزهيد في تلك المطويات، إنما الكلام في محل توزيعها، فلو وضعت في مؤخرة المسجد لكان (أحلى) للمسجد، وأخلى لقبلة المصلين.
وقد أضيفت أخيرا عادة: وضع أكواب المياه المعلبة، فينشغل المصلي بتأمل الدعاية (التجارية) المرقونة على غطاء الكأس، وغالبا ما تكون لمياه (الحياة) أو (القصيم) مثلاً، أونحوها من الشركات، و هذا مناف لمقاصد بناء المساجد، بل مخلٌّ بها، فعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: {كان قرام لعائشة ـ رضي الله عنها ـ سترت به جانب بيتها. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أميطي عنا قرامك هذا، فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي} خرّجه أحمد و البخاري.
و في حديث عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَاهُ بَعْدَ دُخُولِهِ الْكَعْبَةَ فَقَالَ: إنِّي كُنْتُ رَأَيْتُ قَرْنَيْ الْكَبْشِ حِينَ دَخَلْتُ الْبَيْتَ فَنَسِيتُ أَنْ آمُرَكَ أَنْ تُخَمِّرَهُمَا فَإِنَّهُ لا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي قبلة الْبَيْتِ شَيْءٌ يُلْهِي الْمُصَلِّي} خرّجه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد ....
ـ التشويش على المصلين، بكثرة فتح الأكواب وغلقها، فبينما أنت تختم صلاتك بالتسليم عن اليمين والشمال، ثم تستغفر ربك، وتعيش لحظات إيمانية، إذا بخرفشات الكؤوس، وقرقعات فض الأختام، و أصوات جرجرة الماء في حلوق بعض من حولك!!!
فيتبدد الخشوع، وتتقشع ظلاله، ويتلفت المصلي، يصغي ليتاً ويرفع ليتاً!
ـ بعد انقضاء الناس من شرب تلك الأكواب، يتحول الصف الذي أمام المصلين إلى أشبه بسفرة الطعام، التي قام عنها الأكلة، فعادت ركاماً من (النفايات)، ولا حول ولا قوة إلا بالله. و قد أُمرنا بتنظيف المساجد وتطييبها، لا بتقذيرها، وعند أبي داود عن أنس مرفوعاً (عُرضت علىّ أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد) والحديث وإن كان إسناده ليس بذاك فقد استغربه البخاري، لكنّ معناه صحيح بلا ريب. والقذاة الشيء اليسير الذي يقع في العين أو الشراب، فكيف بما هو فوقها!!
ـ ربما يشرب بعضهم كاساً، ويترك بقية من الماء في الكأس، فيمر أحد المصلين من غير أن ينتبه فيركل الكأس بقدمه، فيهريق الماء على سجاد المسجد!!!
ـ يحضر كثير من الأطفال إلى المسجد، وبمجرد أن يلمح (الطفل) أكواب الماء العلبة بشكل مغرٍ، حتى يسيل لعابه، وربما كانت يده في يد والده، فسرعان ما يتفلت منه، وينطلق إلى بغيته منها، فيفض ختمه بنهم، ويتجرعه ببراءة طفولية، فربما وقع الكأس من يده، فأهراق الماء على سجاد المسجد، وآذى المصلين من غير شعور، وقد جربت هذا مع ابني، الذي يعتبر بالنسبة إلى أترابه من المؤدبين، فأعيتني الحيلة، ولا زلت في جهاد!!!
هذه بعض مفاسد تلك العادة الدخيلة على مساجدنا، التي ما أراد فاعلها إلاّ خيراً، ولكنّه:
رام نفعاً فضرّ من غير قصدٍ ......... ومن البرِّ ما يكون عقوقا
فياحبذا لو تفضلتم ـ معاشر طلبة العلم ـ بتنبيه الأئمة والقائمين على المساجد بالتخلي عنها، والعودة إلى العهد الأول، فقد أدركت الماء يوضع خارج المسجد، في (زير) يغطى بلوح خشبي، وفوقه كأس هو عبارة عن علبة (فول مدمس) مفرغة، وقد علاها الصدأ ................... ولكنها كانت لا تشغل المصلين البتة.
وقد قال فقهاؤنا ـ رحمهم الله ـ: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وأقول هنا: درء مفسدة التشويش، أولى من جلب مصلحة الإرواء.
فما رأيكم إخواني، هل من اعتراض أو تصويب لما ذكر ....... بوركتم
والسلام عليكم ورحمة الله ................
¥