تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال شيخ الإسلام رحمه الله: (وأما أهل التجهيل فهم كثير من المنتسبين إلى السنة واتباع السلف، يقولون: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعرف معاني ما أنزل الله إليه من آيات الصفات ولا جبريل يعرف معاني الآيات ولا السابقون الأولون عرفوا ذلك. وكذلك قولهم في أحاديث الصفات: إن معناها لا يعلمه إلا الله مع أن الرسول تكلم بها ابتداء فعلى قولهم تكلم بكلام لا يعرف معناه.

(شبهة القوم14):

وهؤلاء يظنون أنهم اتبعوا قوله تعالى {وما يعلم تأويله إلا الله} فإنه وقف أكثر السلف على قوله: {وما يعلم تأويله إلا الله}،وهو وقف صحيح لكن لم يفرقوا بين معنى الكلام وتفسيره ; وبين " التأويل " الذي انفرد الله تعالى بعلمه ; وظنوا أن التأويل المذكور في كلام الله تعالى هو " التأويل " المذكور في كلام المتأخرين وغلطوا في ذلك. فإن لفظ " التأويل " يراد به ثلاث معان:

1. فالتأويل في اصطلاح كثير من المتأخرين هو: صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح لدليل يقترن بذلك فلا يكون معنى اللفظ الموافق لدلالة ظاهره تأويلا على اصطلاح هؤلاء ; وظنوا أن مراد الله تعالى بلفظ التأويل ذلك وأن للنصوص تأويلا يخالف مدلولها لا يعلمه إلا الله ولا يعلمه المتأولون.

ثم كثير من هؤلاء يقولون: تجري على ظاهرها فظاهرها مراد مع قولهم: إن لها تأويلا بهذا المعنى لا يعلمه إلا الله، وهذا تناقض وقع فيه كثير من هؤلاء المنتسبين إلى السنة: من أصحاب " الأئمة الأربعة " وغيرهم.

2. والمعنى الثاني " أن التأويل " هو تفسير الكلام - سواء وافق ظاهره أو لم يوافقه - وهذا هو التأويل في اصطلاح جمهور المفسرين وغيرهم، وهذا " التأويل " يعلمه الراسخون في العلم وهو موافق لوقف من وقف من السلف عند قوله: {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم} كما نقل ذلك عن ابن عباس ومجاهد ومحمد بن جعفر بن الزبير ومحمد بن إسحاق وابن قتيبة وغيرهم وكلا القولين حق باعتبار، كما قد بسطناه في موضع آخر ; ولهذا نقل عن ابن عباس هذا وهذا وكلاهما حق.

3. والمعنى الثالث أن التأويل هو الحقيقة التي يؤول الكلام إليها - وإن وافقت ظاهره - فتأويل ما أخبر الله به في الجنة - من الأكل والشرب واللباس والنكاح وقيام الساعة وغير ذلك - هو الحقائق الموجودة أنفسها ; لا ما يتصور من معانيها في الأذهان ويعبر عنه باللسان وهذا هو " التأويل " في لغة القرآن كما قال تعالى عن يوسف أنه قال: {يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا} وقال تعالى: {هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق} وقال تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}،وهذا التأويل هو الذي لا يعلمه إلا الله.

وتأويل " الصفات " هو الحقيقة التي انفرد الله تعالى بعلمها وهو الكيف المجهول الذي قال فيه السلف - كمالك وغيره -: الاستواء معلوم والكيف مجهول ; فالاستواء معلوم - يعلم معناه ويفسر ويترجم بلغة أخرى - وهو من التأويل الذي يعلمه الراسخون في العلم وأما كيفية ذلك الاستواء فهو التأويل الذي لا يعلمه إلا الله تعالى.

وقد روي عن ابن عباس ما ذكره عبد الرزاق وغيره في تفسيرهم عنه أنه قال: تفسير القرآن على أربعة أوجه: - تفسير تعرفه العرب من كلامها وتفسير لا يعذر أحد بجهالته وتفسير يعلمه العلماء وتفسير لا يعلمه إلا الله عز وجل فمن ادعى علمه فهو كاذب.

وهذا كما قال تعالى: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون}. وقال النبي صلى الله عليه وسلم {يقول الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر}، وكذلك علم وقت الساعة ونحو ذلك فهذا من التأويل الذي لا يعلمه إلا الله تعالى، وإن كنا نفهم معاني ما خوطبنا به ونفهم من الكلام ما قصد إفهامنا إياه كما قال تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} وقال: {أفلم يدبروا القول} فأمر بتدبر القرآن لا بتدبر بعضه. وقال أبو عبد الرحمن السلمي: حدثنا الذين كانوا يقرءوننا القرآن عثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير