تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والنبي صلى الله عليه وسلم قد عزم على أن يكتب الكتاب الذي ذكره لعائشة، فلما رأى أن الشك قد وقع، علم أن الكتاب لا يرفع الشك فلم يبق فيه فائدة، وعلم أن الله يجمعهم على ما عزم عليه كما قال: (ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر).

ومن توهم أن هذا الكتاب كان بخلافة علي فهو ضال باتفاق عامة الناس من علماء السنة والشيعة، أما أهل السنة فمتفقون على تفضيل أبي بكر وتقديمه، وأما الشيعة القائلون بأن علياً كان هو المستحق للإمامة، فيقولون: إنه قد نص على إمامته قبل ذلك نصاً جلياً ظاهراً معروفاً، وحينئذ فلم يكن يحتاج إلى كتاب" (32).

ومن أدلة السلف في نفي الوصية لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، ما ورد عن علي رضي الله عنه، فقد سئل رضي الله عنه: هل خصك رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء؟ فقال: "ما هو إلا كتاب الله وفهم يؤتيه الله من شاء في الكتاب" (33).

وقد قال رضي الله عنه لما ظهر يوم الجمل: "يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعهد إلينا في هذه الإمامة شيئاً" (34).

وقيل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ألا توصي؟ قال: "ما أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء فأوصي، اللهم إنهم عبادك فإن شئت أصلحتهم وإن شئت أفسدتهم" (35).

وقال أبو الطفيل عامر بن وائلة: "كنت عند علي رضي الله عنه فأتاه رجل فقال: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسر إليك؟ قال: فغضب وقال: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسر إلي شيئاً يكتم الناس، غير أنه قد حدثني بكلمات أربع. فقال: ما هن يا أمير المؤمنين؟ قال: (لعن الله من لعن والده، ولعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من آوى محدثاً، ولعن الله من غير منار الأرض) " (36).

ومع استدلال السلف رحمهم الله تعالى بهذه الآثار في نفي الوصية، فقد استدلوا من جانب النظر والعقل، فقد قالوا: إن هناك "برهان آخر ضروري وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وجمهور الصحابة رضي الله عنهم حاشا من كان منهم في النواحي يعلم الناس الدين، فما منهم أحد أشار إلى علي رضي الله عنه بكلمة يذكر فيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نص عليه، ولا ادعى ذلك قط لا في ذلك الوقت ولا بعده، ولا ادعاه له أحد في ذلك الوقت" (37).

- وبعد إبطال السلف رحمهم الله تعالى لدعوى الوصية لعلي بن أبي طالب بالخلافة يظهر من تتبع ما كتبه الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى، من شرح لبعض الأحاديث سابقة الذكر والتعليق عليها، قد يكون تراجع عن هذا الرأي (الوصية لعلي بن أبي طالب) إذ أن رسالة (العقد الثمين) كتبت في شهر شعبان من عام خمس ومائتين وألف (1205) من الهجرة النبوية (38) فإذا كان تاريخ وفاة الإمام الشوكاني عام خمسين ومائتين وألف من الهجرة (1250) فإنه بين التأليف والوفاة فترة طويلة جداً، فقد يكون كتابته للرسالة في أوائل الطلب، مع عدم إغفال التأثر بالمجتمع المحيط به والغالب عليه الفكر الزيدي. إضافة إلى أن الرسالة قد أثبتت الوصية لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولم تفرق بين قضاء الدين ونحوه وبين الخلافة، ولكن نجد الإمام الشوكاني قد فرق بين الوصية بالخلافة وبين الوصية بأمور عامة، وذلك عند شرحه لقول عائشة رضي الله عنها (متى أوصى وقد مات بين سحري ونحري) وقول ابن أبي أوفى رضي الله عنه (إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوص) فقد قال: "المراد بنفي الوصية منه صلى الله عليه وسلم نفي الوصية بالخلافة لا مطلقاً، بدليل أنه قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم الوصية بعدة أمور" (39) وبلا شك فإن هذا النص الذي يفيد التفريق يناقض ما ذكره في رسالته، مما يدل على أن الإمام الشوكاني قد تراجع عن قوله السابق.

ويؤكد تراجع الإمام الشوكاني عن إثبات الوصية، أنه قال عند شرحه لقول عمر رضي الله عنه: (فإن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني، يعني أبا بكر، وإن أترككم فقد ترككم من هو خير مني، يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عبدالله: فعرفت أنه حين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مستخلف).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير