فذكر توليهم - وقد سماهم "أهل كتاب"- عن الكلمة السواء وهي (شهادة أن لا إله إلا الله محمداً رسول الله) حيث فسرها بقوله: {أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً} آل عمران64 وذكر أن ثمرة توليهم عن الخضوع لهذه الكلمة أنهم غير منقادين مستسلمين للحق والهدى، بل وصفهم بالكفر الصريح بعد هذه الآية وبلوغ الحجة فقال: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ} آل عمران70.
وكل شريعة ودين غير دين الإسلام، فمعتقِده كافر بالنصوص المتواترة من الكتاب والسنة وإجماع الأمة. ومَن شكّك بذلك - فضلاً عمن قال بخلافه- فهو كافر خارج عن الإسلام بإجماع المسلمين سواء كانت الشريعة سماوية كاليهودية والنصرانية أو غير سماوية كالوثنية قال تعالى: {وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيراً} الفتح13، فوصف من لم يؤمن بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالكفر، والعاقبة عذاب السعير.
وقال تعالى عن أهل الكتاب اليهود والنصارى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَاللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ} آل عمران98.
نص على كفرهم معاتباً لهم، لاختصاصهم عن غيرهم بمزية علم سابق عن محمد ورسالته، فالحجة عليهم أظهر والعناد منهم أكبر وأخطر.
وامتاز أهلُ الإسلام بإيمانهم بجميع الأنبياء والكتب، ومن كفر بواحد منهم كفر بجميعهم، والطعن بواحد منهم أو الاستهزاء به أو تكذيبه طعن واستهزاء وتكذيب لجميعهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً} النساء136.
والإسلام مهيمن على جميع ما نزل من الشرائع السابقة، ناسخ لها، لهذا كانت رسالة النبي صلى الله عليه وسلم للناس كافة عرب وعجم أبيض وأسود: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ} سبأ28 وقال: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} الأعراف158ففي الآية الأولى دلل للعموم بقوله: (كافة) وفي الآخرة بقوله: (جميعاً) مع أن أصل الخطاب متضمن للعموم، ولكنه تأكيد وضوح لقطع حجج المحاجِجِين، وإيراد الموردين، فكان خطاب الكتاب والسنة واحداً للناس على السواء في الأمر والنهي والثواب والعقاب.
وفي القرآن والسنة ما ينص على وجوب دخول أهل الكتاب على الخصوص في الإسلام، ولزومهم الانقياد له، وذلك بأساليب من الخطاب متعددة:
الأول: بيان تحريفهم للكتب التي بأيديهم، التي خلطت الحق والباطل فلزم تركها لأن المتعبد بها متعبد لله بما شرع غيره، والقرآن بيّن تحريفهم للكتب بطريقتين:
1 - بالنص الصريح على تحريفهم للتوراة والإنجيل، وكتمهم الحق الذي جاء فيهما، وهذا الأمر فيهم يزداد في كل عصر، بحسب أهوائهم، قال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ} (المائدة:13).
وقال: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ} (البقرة:79).
وقوله سبحانه: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (آل عمران:78).
2 - بالمفهوم حيث بين الله منته لهذه الأمة بحفظ القرآن، وهذا دليل على اختصاصه عن غيره، ولو كان هو وغيره محفوظاً لما كان لذكر حفظه على وجه الامتنان معنى، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} الحجر9.
¥