الثاني: بيان نسخ شريعتهم ودخولها تحت الإسلام فلا يُحتج بالمحكم الحق عندهم في الكتاب وذلك من وجوه أهمها:
1 - أن المحكم منسوخ بالقرآن.
2 - أن معرفة المحكم من المحرف محال لاختلاط بعضه ببعض.
وهم لا يقرون بتحريفهم للكتاب الذي أثبته الله في كتابه ومن أصدق من الله قيلاً.
والواحد منها منفرداً مبطل للعمل بالتوراة والإنجيل، فكيف مع اجتماعها، والمكذب بها مع ثبوتها في القرآن مكذب لله، ولكتابه.
قال تعالى مخاطباً نبيه: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ} (المائدة:48)
فيه إخبار بكون القرآن مصدقاً لما سبق من الرسالات، ومشتملاً عليها، وفي الآية تحذير من اتباع أهل الكتاب، وبيان أن ما هم عليه أهواء لا ديناً سماوياً، لتحريفهم له، ولا يقاوم الحق الذي جاء به القرآن.
وجميع الوجوه والأساليب السابقة الأول والثاني والتي تليها دليل على النسخ، وإلا لم ساغ مخاطبة مَنْ شريعته محكمة بشريعة أخرى، وحكم بتكفيره وقتله في حال صدّه.
وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم في يد عمر صحيفة من التوراة فغضب وقال: ((أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟! ألم آت بها بيضاء نقية؟ لو كان أخي موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي)).
فالخِطاب موجه لعمر ونبي الله موسى – لو كان موجودا ً- على السواء بالاتباع، فإذا كان هذا في حق صاحب الرسالة، فالتابعون من باب أولى، وهذا ليس خاصاً بموسى بل هو لسائر الأنبياء لو كانوا موجودين، وهذا ظاهر في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ} (آل عمران:81).
تأكيد وإلزام على أنبياء الله مع علمه سبحانه بكون بعثة محمد صلى الله عليه وسلم بعد انقراض عصورهم، ولكن هذا ميثاق أُريد به بيان مكانة هذه الرسالة، والخطاب موجه للأنبياء وأتباعهم، بوجوب الإيمان والمناصرة، وإنما أُشهد الأنبياء جميعاً ليكونوا شهداء على أممهم يوم القيامة بقيام الحجة عليهم من قبل ومن بعد.
لهذا عيسى عليه السلام حينما ينزل في آخر الزمان يحكم بشريعة محمد لا بشريعته، كما ثبت بذلك النص.
الثالث: بيان كفرهم في نصوص كثيرة من الكتاب والسنة، وتقدم شيء من الآيات في ذلك، ومن السنة ما رواه البخاري من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يؤتى بجهنم تعرض كأنها السراب فيقال لليهود: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد عزير ابن الله فيقال: كذبتم، لم يكن لله صاحبة ولا ولد، فما تريدون؟ قالوا: نريد أن تسقينا، فيقال: اشربوا فيتساقطون في جهنم، ثم يقال للنصارى: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال لهم: كذبتم، لم يكن لله صاحبة ولا ولد".
الرابع: تشريع الله لنبيه قتالهم حتى يدينوا دين الحق، وهذا مقتضي لكفرهم الموجب لاستباحة دمائهم وأموالهم وسبي نسائهم، ولو كانوا مسلمين لكان قتالهم من الظلم الذي يتنزه الله تعالى عنه.
قال تعالى: {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (التوبة:29)
بل كان من قضاء النبي صلى الله عليه وسلم فيمن دخل دين الإسلام منهم وارتد القتل، وبهذا أمر النبي أصحابه الذين يبعثهم إليهم داعين ومقاتلين، فقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً وأبا موسى الأشعري إلى اليمن وفيها أهل الكتاب، وأمرهم بذلك، روى البخاري عن أبي موسى رضي الله عنه: (أن رجلاً أسلم ثم تهود فأتاه معاذ بن جبل رضي الله عنه وهو عند أبي موسى فقال: ما لهذا؟ قال: أسلم ثم تهود، قال: لا أجلس حتى أقتله قضاء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم).
¥