الخامس: دخولهم تحت الدعوة إلى الإسلام في آيات كثيرة، كقوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ} آل عمران64 وهذا موجب لاتفاق العاقبة والاشتراك في المآل مع من لم يؤمن من غير أهل الكتاب، لأن الشريعة لم تفرق بين المخاطبين في باب الأوامر والنواهي وعاقبتهم، فكل من اشترك في الخطاب مع غيره اشترك في المآل والثمرة ولا بد، وإلا كان الخطاب عبثاً تنزه الشريعة عنه.
وقد جاء النص في ذلك صريحاً في مواضع كثيرة منها ما في صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسلتُ به إلا كان من أصحاب النار".
ثم إن كفر اليهود والنصارى من المعلوم من دين الإسلام بالضرورة، ومما أجمع عليه المسلمون قاطبة على اختلاف عقائدهم ومذاهبهم، قال ابن حزم في "مراتب الإجماع" (ص119): (واتفقوا على تسمية اليهود والنصارى كفاراً)
رئيس التحرير:
• فضيلة الشيخ – وفقكم الله -: لا شك أن العالم اليوم يموج بالأديان المتعددة والملل والمذاهب المتنوعة فما موقف الإسلام من تلك الأديان؟
الشيخ:
اختلاف الناس وتباينهم من السنن الكونية، التي قدرها الله لحكمة بالغة، قال تعالى: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} هود119، الخلاف باقٍ ولا يزول، ولن يستطيع أحد مغالبة بقائه الأصلي، والسنة الكونية لا يمكن لأحد أن يتصرف فيها فيغيرها عما هي عليه إلا الله، فلا يمكن لأحد أن يشعل النار بالماء، أو يبطل تأثيرها بلا سبب إلا الله، {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} الأنبياء69.
والأصل الذي لا يُنكر أن الاختلاف في المذاهب والعقائد يزداد مثل الشجر، كلما مضى عليه الزمن برز له فروع جديدة، وهو في كل الأفكار والفلسفات كذلك.
وكلما كان الناس متبعين لمنهج حق، واستفرغوا الوسع في الأدلة وتحري الصواب، قلَّ ذلك فيهم.
ولا يسوغ لأحد أن يحتج بالسنة الكونية، على السنة الشرعية، فيُجَوِّز الاختلاف شرعاً، ويرى أن الكل على حق، فهذه طريقة المنكرين لشرع الله المعاندين للرسل، قال تعالى: {سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا} الأنعام:148.
وقال تعالى {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ} النحل35
ولأن وجود النار الكوني لا يسوغ الوقوع فيها، ووجود الناس في أرض الوباء والأمراض لا يسوغ البقاء فيها بحجة القدر والحكم الكوني، وهذا معلوم عند العقلاء.
والخلاف له مراتب ودرجات، منه ما يتعلق بالدين ومنه ما يتعلق بالدنيا، وهو فرع عن التباين في خلقة الخلق واختلاف المدارك والأفهام والنفوس، فلا يمكن لأحد أن يماثل غيره فيما يراه ويعتقده من جميع الوجوه.
والخلاف منه ما يتعلق بالعقائد ومنه ما يتعلق بالفروع، فخلاف العقائد لاشك أن الأصل فيه أنه شر، ولأجل دفعه وتوحيد الناس أرسل الله الرسل، وأنزل الكتب، ليختبر ويمتحن ويميز الخبيث من الطيب.
والخلاف في الفروع الأصل فيه أنه رحمة وخير وسعة، وقد يكون شراً إذا كان عن هوى وعدم تجرد في اتباع الدليل والاجتهاد في طلبه، وإنما قصد الرخص وتتبع المُرخصين مع ظهور الدليل والحجة.
وإذا كان الخلاف في الفروع يورث مفسدة أكبر من مخالفة الدليل الراجح عنده كسفك دماء وقطيعة فهو من الشر، ولو استفرغ المجتهد وسعه في طلب الدليل، فالنزول على القول المرجوح في مثل هذا وترك الراجح من الأمور المتحتمة.
والآية السابقة دليل على أن الأمة المرحومة هي الأمة المجتمعة على الحق، ومن عداهم الأمة المختلفين، والنص على أن الجماعة المستثناة هي الأمة المرحومة دليل على أن الخلاف مذموم، والمقصود به خلاف العقائد ويدخل فيه خلاف الهوى في الفروع.
¥