والواجب التماس الأعذار للمخالف المعذور المتبع بدليل يعتقده من الخلاف السائغ في الفرعيات، ولا يعني ذلك ترك بيان وجوه الرجحان وقوة الدليل مع المخالف، ولكن بأدب ورغبة في الوصول إلى الحق، ولا يجوز أن يعقد على هذا النوع من الاختلاف الولاء والبراء، والتحزب والتفرق لأجل ذلك، لأن هذا مما يفوت مصلحة أعظم قصدها الشرع وهي الائتلاف والاجتماع ونبذ الاختلاف والفرقة.
ولا شك أن الأمة كلما تحزبت على الجزئيات، كثر التفرق فيها، لأن الجزئيات أكثر من الكليات، فتكثر الأحزاب، وتضعف الأمة، ويقل شأنها، ويستهين بها خصومها فيستبيح حماها.
وأما الخلاف في العقائد والأصول فهو من النوع المذموم، والخلاف في الأصول المراد به العقائد والديانات، كاختلاف الناس والمجتمعات على عقائد يهودية ونصرانية ووثنية والموقف من ذلك يتباين ويختلف بحسب الحال، ومن الأحوال ما يجب توفره في الجميع، وعلى الإجمال لا يخلو من أحوال:
الحالة الأولى: الاعتقاد بكفر كل دين غير الإسلام، والواجب على الأمة دعوتهم وتبليغ الحجة لهم، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وهذا يشترك فيه كل صاحب ديانة غير الإسلام.
الحالة الثانية: ما يتعلق بالولاء والبراء وهذا يجب أن يتبرأ الإنسان من كل ديانة غير الإسلام، ويوالي كل مؤمن مهما كانت درجة إيمانه.
الحالة الثالثة: العلاقة مع غير المسلمين في التعامل تختلف بحسب أحوالهم:
فالمحارب المعادي للأمة يجب معاداته مطلقاً بجميع أنواع المعاداة.
والذمي والمعاهد: فلا يعادى في الظاهر وماله ودمه وعرضه معصوم، والتعدي عليه من الكبائر، فكل مَن أخذ من المسلمين العهد والأمان، وأقره أحد المسلمين على ذلك خادماً أو عاملاً فلا يجوز التعدي عليه بشيء.
وتختلف صيغ الأمان والعهد من زمن لآخر، وهي في وقتنا أوراق العمل والإذن بالدخول لتجارة وإجارة ونحو ذلك.
ويختص أهل الكتاب عن غيرهم بجواز أكل ذبائحهم وزواج المسلم من نسائهم.
رئيس التحرير:
• فضيلة الشيخ: يزعم البعض سواء من المسلمين أو من غيرهم بأنه آن الأوان لإرساء ركائز التعاون والتحاور بين الأديان، وربما عبر بعضهم بالتقارب بين الأديان فما رأي فضيلتكم بتلك المزاعم؟ وهل هناك فرق بين الحوار والتقارب بين الأديان؟
الشيخ:
من المهمات التي يغفل عنها كثير من الكتاب، والنقاد عدم تفريقهم بين:
- "التعاون أو التقارب أو التحاور بين الأديان"
- وبين "التعاون أو التقارب أو التحاور بين أهل الأديان"
فالأول: محور النقاش فيه؛ مسائل الدين للتقريب بينها، ومحاولة جمع ما يُجمع والسكوت والتغافل عما لا يمكن جمعه ولا الاتفاق عليه، ويوردون تبعاً لذلك عبارات كثيرة من باب التودد والتلطف والتقريب كقولهم: "ديانات سماوية" و"أتباع الكتب السماوية" ونحوها، وهذه دعوة خطيرة مناقضة للإسلام، فلا يمكن بحال من الأحوال أن يؤلف ويقارب بين الإسلام وغيره من الديانات، لأن الكفر والإيمان لا يجتمعان، ولا يمكن أن يتمخض عن التقارب أو التعاون بين الأديان حق وخير، إلا ويستلزم من الباطل والضلال ما هو أولى بالصد والرد من تحصيل ذلك الحق، بل إن ذلك الحق متوهمٌ ولا بد، إذ لا يُسمى ما يُعيق تحقيق الإسلام حقاً وخيراً، إلا عند من نظر إليه مجرداً عن مقترن وسابق ولاحق، وهذا يورث الخلط بل الشر المحض، كمن نظر إلى قتل النفس مجرداً عن كونه في سبيل الله أو في سبيل الشيطان، فيتفق في الحالين أنه شر يجب دفعه والوقاية منه، وكمن نظر إلى لذة الطعام ولم يفرق بين صاحب الحمية وغيره، فيتفق في الحالين أنه لذة، والعاقبة تتباين بقدر المفسدة الطارئة على دين الإنسان ودنياه.
ولا يمكن أن يتحقق تقارب بين الإسلام وبين أي شريعة أخرى إلا بورود ناقض للإسلام، يوجب الكفر منفرداً لمن دعا إليه، ولا يمكن أن يتحقق التقارب عند المنادين به مع تنكب ذلك الناقض، ومن أمثلة ذلك:
1 - عدم تسمية غير المسلمين بـ (الكافرين)
2 - عدم بيان أنهم مأمورون باتباع الإسلام ولن يقبل منهم عند الله غيره.
3 - مساواتهم بالمسلمين بجميع أنواع المساواة، سواء كان ذلك بالدعوى فقط أو بالعمل بها واعتقاد ذلك.
وهذه يلزم منها تعطيل مجموع آيات القرآن، ويكون العامل بما سبق لا يخلو من أمرين لا ثالث لهما:
¥