تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الأول: إما يحرف النصوص ويتكلف صرفها عن ظواهرها ودلالاتها، وحينئذٍ لا فرق بينه وبين من يدعو إلى التقارب معهم من اليهود والنصارى، إذ أن الله ذكر من حالهم تحريفهم للكلم عن مواضعه، وهو من ليّ الألسن الوارد في وصفهم والكذب على الله قال تعالى: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}

الثاني: وإما أن يجحدها ويكذب بها، وهذا زندقة وردة، وهو أشد من الأول، وأعظم سوءً.

وكثير من الدعاة المسلمين في بلاد الكتابيين يستثقل أن يصف من يلاقيه منهم بالكفر والنار، في أول دعوته، بل إن كثيراً من المراكز الإسلامية التي تُفتح في بلادهم لا ينص أصحابها على كفر أهل الكتاب علانية وأنهم من أهل النار لو ماتوا على ذلك، بل يظهرون التودد لهم، ويعرفونهم بالإسلام ويدعونهم إليه، لأنهم يرون أن في إعلان ذلك لهم منعاً لدعوتهم وصداً عن دخول الكثير في الإسلام وتعطيل مراكزهم، بل وطردهم، فالأمر المتقرر أن الدعوة إلى الإسلام وبيان حقيقته من غير النطق بإيمان غيرهم، وكونهم آمنين يوم القيامة، تحقيقاً لتلك المقاصد، ثم يبين لهم الحق تاماً بعد دخولهم الإسلام، لا حرج فيه.

أما أن يُعَلِّموا ويدعو الكتابي إلى الإسلام وأنه مع غيره من الشرائع كحال الخيرين المتفاوتين في المقدار، والفاضل والمفضول المشتركين في الفضل، فهذه دعوة لغير الإسلام الذي قال الله عنه: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} آل عمران85

وكثير ممن يدعو إلى التقارب بين الأديان قصد التقارب بين أهلها، مع إقراره ببطلان ماهم عليه، ولكن التساهل بإطلاق العبارات من غير معرفة لمعناها ومقتضياتها ولوازمها لا يعذر الإنسان ولا يعفيه من الإنكار عليه وبيان خطورة دعوته، لأن الألفاظ معتبرة في تمييز الحق من الباطل، وبها تُعرف المقاصد، وتُقام الحجج والبينات.

ونقرأ لكثير ممن يتكلم في التقارب والحوار والتعاون، ونلحظ إيراده للمتشابهات من القرآن والسنة، واقتناص العمومات وترك المُحكم البين، وهذه الطريقة في تقرير المسائل طريقة غير المنصفين، وليست هي من العدل والإنصاف التي ينادون بها، ولا يَعد نُقاد الكلام من جميع اللغات ذلك تحريراً بل خلطاً واتباعاً لآراء وتحيزاً لأفكار، ومن ذلك استدلالهم ببعض الآيات التي تصف أهل الكتاب بالإسلام والأمن يوم الحساب، من غير نظر لسبب الحكم، ومناسبته، وسياقه، والمواضع البينة التي تبينه وتفصله، ولو كان ذلك سائغاً فلا بد من وصف القرآن الكريم بالتناقض عند الوقوف على الآيات المحكمة الواضحة وهذا أخطر مما يريدون الوصول إليه، بل لا يوجد متكلم إلا وهو متناقض إذا لم يؤلف كلامه ويفسر بشمول.

يذكر كثيرٌ منهم بعض الآيات كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (البقرة:62). وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (المائدة:69).

فيقولون:

إنهم موصوفون بالأمن، وعدم الخوف، وهذا ما يردده كثير ممن يدعوا إلى التقارب بين الأديان والحوار بينها، ويرى أنهم سواء كالمسلمين يوم الحساب، وتفسير الآية على هذا المعنى هو من الخطأ المحض، والمقصود من هذه الآية بإجماع المفسرين من سائر المذاهب في سائر القرون في سائر البلدان:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير