ولم يدخلوا في الإسلام، فتدرج في ترهيبهم بشيء لم يفعله مع غيرهم، فعاهدهم في المدينة، مع قدرته على إخراجهم منها، طمعاً في إسلامهم فلما لم يستجيبوا لما يدعوهم إليه ونقضوا العهود، تدرج بعقوبة أشد فأخرجهم من المدينة إلى خيبر وما وراءها كما فعل ببني قينقاع، وبني النضير ثم لما نقض بنو قريظة العهد والميثاق أيضاً عاقبهم بأشد العقوبة بمحاصرتهم وسبي ذراريهم وقتل مقاتليهم.
وقد كان في كتابه الذي كتبه إلى هرقل ملك الروم كما في الصحيحين و غيرهما:"بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم: سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الأريسين.
وكانت القاعدة في أهل الكتاب واحدة، لما لم يُسلموا غَيَّر الحوار معهم من الخطاب والمكاتبات إلى السلاح والقتال، فذهب بنفسه في جيش من أصحابه إلى خيبر سنة ست من الهجرة أو سبع وحاصر أهلها حتى فتحها الله على يده تحت راية على َ بن أبي طالب، وأرسل جيشاً من أصحابه سنة ثمان إلى مؤتة.
ثم بعد ذلك أمر بأخذ الجزية منهم فإذا دفعوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون؛ تٌركوا على دينهم وأعطيت لهم حريتهم في دينهم وتركوا أحراراً يقيمون شعائر دينهم.
ثم أخذ النبي في التعامل معهم ناحية أخرى في السياسة وهي إخراجهم من جزيرة العرب، ومخاطبتهم بثلاث: الإسلام أو الجزية أو القتال، مع بقاء خيار الصلح والمسالمة التي تكون في صالح الإسلام عند الضعف، وتكون إلى أجل معلوم.
رئيس التحرير:
• فضيلة الشيخ: لا شك أن الدعوة إلى التقارب بين الأديان ليست وليدة الحقبة المعاصرة بل لها جذورها التاريخية كما تعلمون فهل لكم أن تبينوا للقارئ بدايات هذه الدعوات ومن وراءها؟
الشيخ:
هذه الدعوة من جهة كون الأديان كلها طرقاً تؤدي إلى غاية متحدة، وهي رضى الله، لأن أصحابها مخلصين ومجتهدين في التماس الحق، فلا فرق بين أهل الديانات والعقائد، دعوة قديمة، فقد ظهر من يقرر ذلك في القرن السابع الهجري منهم عبد الحق بن إبراهيم بن محمد الرقوطي، المعروف ب"ابن سبعين" فقد اشتغل بالفلسفيات والمنطق فألحد، وقد توفي عام 669 هـ.
وكذلك حسن بن علي المغربي الأندلسي المعروف بـ"ابن هود"، مشتغل كسابقه بالفلسفة والتصوف وكان له معرفة وصلات باليهود، وقد توفي عام 699هـ.
وكذلك سليمان بن علي بن عبد الله أبو الربيع العابدي المعروف بـ"التلمساني"، وهو من المعتنين باللغة والشعر، وقد توفي عام 690 هـ.
وهؤلاء منتسبون للإسلام يزعمون أن كل الديانات كالمذاهب الفقهية الأربعة، فجعلوا الاجتهاد في الأصول سائغاً كالفروع.
وهذه الدعوة تظهر بين وقت وآخر، ولا يكتب لها القبول والنجاح، وتحقيق المراد، وفي وقتنا هذا، ظهرت الدعوات لها بكثرة وقوة، فعقدت لها المؤتمرات والندوات واللقاءات، فلا يكاد ينتهي لقاء إلا وينعقد لقاء آخر في مختلف العواصم الإسلامية و الغربية.
ومن أوائل من دعا إلى تقارب الأديان البابا يوحنا بولس الثاني, الذي تزعم رئاسة هرم الكنيسة الكاثوليكية من عام 1398 هـ (1978 م) , ومجده وأثنى عليه.
وعند النصارى فيعتبرون الراهب "رامون لول" المتوفى عام 1315هـ أول من قال بصحة جميع الديانات وتصويب جميع العبادات التي يتوجه بها الناس إلى الخالق.
وقد ظهرت هذه الدعوة بصورة رسمية ودولية عام 1350 هـ (1932م) , حيث أرسلت فرنسا ممثلين عنها لمفاوضة شيوخ وعلماء الأزهر في توحيد الأديان الثلاثة, الإسلام والنصرانيّة واليهوديّة.
ثم تبع ذلك مؤتمر باريس عام 1351 هـ (1933م) وقد حضر هذا المؤتمر جمع من المستشرقين والمبشرين من جامعات عالمية في أمريكا وفرنسا وإنجلترا وسويسرا وإيطالية وإسبانيا وتركيا وغيرها.
ثم عقد بعد ذلك مؤتمر عالمي للأديان في أواخر سنة 1354 هـ (1936م) , قبل الحرب العالمية الثانية، ثم انشغل الغرب عن ذلك تبعاً للحروب والقتال، وفشل، وانتهى كل ما دعي إليه في سائر الاجتماعات.
¥