وهذه الدعوة من أمحل المحال نجاحها؛ لأنه قد اجتمع في ردها الحكم الشرعي والكوني، فالشرعي أن الله قضى أن لا دين متقبل عنده إلا الإسلام، وما سواه باطل، قال تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} آل عمران85فحق الإسلام بالتمسك به وعدم الحيد عنه، لازم لا ينفك في زمن، إلى قيام الساعة، وقد تقدم الإشارة إلى بطلان هذه الدعوة شرعاً.
وكوناً: أن الله قضى بوجود الخلاف في الأمم على الدوام، {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} هود119.
ومن قال: إن التقارب قُصد منه نبذ آثار الاختلاف مع وجوده، فهذا طلب للمحال أيضاً، فلا خلاف إلا بثمار، وإلا لم يتحقق للخلاف عيناً.
وقد خمدت هذه الدعوة بعد الحروب العالمية زمناً، ثم عادت من جديد في عام 1372 هـ (1953م) , ثم في الإسكندرية عام 1373 هـ (1954م) على يد جماعات متفرقة مجهولة.
وفي عام 1383 هـ (1964م) نشط الفاتيكان لإحيائها فقد قام البابا " بولس السادس" بتوجيه رسالة يدعو فيها إلى الحوار بين الأديان.
ونشر الفاتيكان بعد ذلك بنحو خمس سنين كتاباً بعنوان " دليل الحوار بين المسلمين والمسيحيين".
وبعد ذلك نشط الفاتيكان في عقد هذه المؤتمرات في بلاد العالم في العقد الثامن والتاسع الميلادي منها "المؤتمر العالمي الثاني للدّين والسلام" في بلجيكا, وقد حضره نحو من أربعمائة مشارك من سائر ديانات العالم المتباينة.
وعام 1394 هـ (1974م) اجتمع كذلك في قرطبة في إسبانيا جماعات لتحقيق هذا الهدف من المسلمين والنصارى من ثلاث وعشرين دولة.
ثم تلاه الملتقى "الإسلامي المسيحي" سنة 1399 هـ (1979م) , في " قرطاج" بتونس.
ثم في التسعينات الميلادية عقدت اجتماعات ومؤتمرات لذات الهدف في الأردن والسودان وموسكو ثم في قطر.
ومن أبرز من تبنى هذه الدعوة من المنتسبين للإسلام جمال الدين الأفغاني ونافح عنها، عرضها بفلسفة متجردة عن أي نص من الكتاب والسنة، يقول:
" إنّ الأديان الثلاثة الموسَويّة والعيسويّة والمحمديّة على تمام الاتفاق في المبدأ والغاية, وإذا نقص في الواحد شيء من أمور الخير المطلق، استكمله الثاني. وعلى هذا لاح لي بارق أمل كبير أن يتحد أهل الأديان الثلاثة مثلما اتحدت الأديان في جوهرها وأصلها وغايتها، وبهذا الاتحاد يكون البشر قد خطوا نحو السلام خطوة كبيرة في هذه الحياة القصيرة".
وتأثر بدعوته تلميذه محمد عبده، ووجدت هذه الدعوة في كتابات كثير من المفكرين والصحفيين، وحينما ينشغل الإنسان بدراسات وتحليل أقوال القائلين، ويتشبع منها، ولا يعطي نفسه من النظر في القرآن كما ينظر في غيره، يهرف بما لا يعرف، ويكون إمعة يغرّه بريق الكلمة، ولمعان العبارة، فيتيه ويضطرب حينما تُعرض عليه نصوص الوحي المُحكم، فيلويها لياً يشبه لي بني إسرائيل لألسنتهم في الكتاب.
وهذه الدعوات وإن ملأت الآفاق وأصمت الآذان وتحدث بها من ينتسب للإسلام، وتبناها رؤساء ودول، وأهدر عليها الأموال، فهي إلى زوال، وما هي إلا جهد ضائع، لمن تأمل ذلك بالعقل فضلاً عن النقل، والإسلام قائم وسترتفع راية الجهاد، وستُتفح روما عاصمة وداعية التقارب، حقيقة مسلّمة وعداً من الله حقاً.
روى مسلم في "صحيحه" عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: " بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي المدينتين تفتح أولا قسطنطينية أو رومية? فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مدينة هرقل تفتح أولاً يعني قسطنطينية".
رئيس التحرير:
• فضيلة الشيخ: هل ترون أن هناك أهدافاً ومقاصد يهدف الوصول إليها دعاة التقريب بين الأديان؟
الشيخ:
¥