البشر مكرمون عموماً بنوع تكريم دنيوي يختلف عن غيرهم، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} الإسراء70، فكرموا بالعقل والتدبير والإدراك، والنطق والتفكر، وقد فسر في الآية ذلك التكريم بشطر الآية، برزق الطيبات وركوب البحر والبر، وهذا إشارة إلى العقل والتدبير.
ومن أنواع التكريم أن كرمه بحُسن الخلقة، فيمشي وهو منتصب القامة على رجلين، وغيره يمشي على أربع وأكثر، ويتناول الطعام بيديه، وأورثه قوة تسلطه على غيره، فيُسخر له.
والتكريم في الآية كـ"حسن التقويم" في قوله: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} التين4، فالتكريم والتحسين، أمر قدري كوني، ولكن في العاقبة يختلف المؤمن والكافر، حيث قال تعالى في تمام الآية السابقة: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ , إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} التين6 أي في النار كما قاله المفسرون مجاهد بن جبر والحسن البصري وأبو العالية.
وجنس البشر أفضل من جنس سائر الحيوان، وارتفع المؤمنون بالإيمان، ونزل الكافرون بالكفر، والكافر مذموم لشيء نزل به وارتضاه ظلماً وعدواناً وهو الكفر والشرك، حتى أصبح فضل سائر الحيوان سابقاً عليه قال تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} الأنفال55وقال: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} الفرقان44.
ولهذا فالبشر يميلون لبعض لاتفاق الجنس، ولتميزهم بالأرواح عن سائر الحيوان، فلهم أرواح وأنفس، وللحيوان أنفس بلا أرواح على الصحيح، فالبشر يفضلون مجاورة بعضهم وإن تهاجروا، على مجاورة الحيوان وإن ألفوها.
ويتزاوج المسلم والكتابية وإن ثبت عدم المودة الدينية، وهذا هو الميل العاطفي المقصود، وهذا الميل لا يستقل بنفسه في مطلق المعاملة، بل يحكمه الولاء الديني، ويضبطه، في حدود معلومة حيث لا يفوت ذلك الميل مقصداً شرعياً، لهذا يعامل المسلم الكافر ولا يحييه بتحية الإسلام الخاصة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تبدأوا اليهودَ والنصارى بالسلام" رواه البخاري ومسلم، وله أن يُحييه بأي تحية أُخرى.
وله أن يُعامله ولا يُجيز ذلك له أكل ذبيحته إلا الكتابي، أو تزويجه مسلمة، أو تسليطه على مؤمن وإعانته عليه، للنصوص الثابتة في ذلك.
وكثيرٌ من الكتاب يورد آيات وأحاديث في فضل بني آدم وتكريمهم وأخوتهم، ويُسقطها على جميع الأحوال، ويُغفل الآيات الكثيرة المبينة لها والمفسرة للمقصود منها، وهذا من الهوى وعدم التجرد للحق، كما يذكر بعضهم في فضل "الإنسانية" قوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} التين4 فيوردها في تفوق الألفة الإنسانية على الألفة الدينية، ولا يتم باقيها: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ , إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} التين6.
ومن ذلك إيراد بعضهم لما ثبت في الصحيحين، أن النبي صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام، فقيل له: إنها جنازة يهودي، فقال: "أليست نفساً".
في سياق الاستدلال على فضل وسبق الوحدة الإنسانية، وأن الوقوف كان احتراماً لها، ولا يسوق الألفاظ المُفسرة كما رواه مسلم من طريق آخر أنه قيل له صلى الله عليه وسلم: إنها يهودية، فقال: "إن الموت فزع فإذا رأيتم الجنازة فقوموا".
فالقيام لهيبة الموت، إشارة إلى استعظامه، كي لا يبقى الإنسان على الغفلة والإعراض بعد رؤية الموت، فالأمر متعلق بالموت وتذكره، لا بذات الميت، فيستوي في ذلك المؤمن وغيره، وهذا كقوله عليه الصلاة والسلام: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكركم الآخرة"، فيستوي في ذلك الجميع لأن العلة تذكر الآخرة.
¥