تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما المصطلح الموضوع "الآخر" فلا أعرفه أُطلق إلا بعد بداية الحرب الحديثة التي نالت الشرق والغرب، ابتداء من ضرب أمريكا وهدم أبراجها، وانتقامها لنفسها بإعلان الحرب الصليبية على المسلمين كما قال ذلك رئيسها "بوش الابن" وقد اعتذر بعد أن نُصح بخطورة هذه الكلمة، على مشاعر المسلمين وأن هذا سيوقد الحمية في العالم الإسلامي ضدها، فسماها حرباً ضد "الإرهاب" زعم، وانتقاماً ممن هاجمه، فنالت عدة بلاد منها أفغانستان والعراق، ووافقها حرباً ضروساً فكرية وعقدية وسلوكية، في جميع وسائل الإعلام، لتوهين المسلمين وتليين عزيمتهم، وتشكيكهم، كان هذا المصطلح "الآخر" من نتاج ذلك كله، أظهره كثير من الكتاب العرب والمسلمين، تختلف مقاصدهم، ولكن يغلب على الطارحين لهذا المصطلح الرغبة بالمسالمة مع الغرب أوروبا وأمريكا وغيرهم، وعدم محاولة إغضابهم بمصطلح "الكفر" أو "الشرك".

وكثير منهم فيما أعلم يقر بكفرهم اعتقاداً، وآخرون يطلقون ذلك وفي قلوبهم مودة ورغبة في الغرب وعدم تكفيرهم، يظهر هذا من أقوال لهم يطلقونها في مواضع عديدة.

و"الآخر" من جهة اللغة يطلق على كل من لم يشاكلك من جميع الوجوه، أو غايرك في أي نوع من أنواع المغايرة الدين أو الوطن أو اللون أو الجنس أو العرق أو المذهب بل والذات، فكل من غايرك فهو "الآخر"، وهو من أعم المصطلحات وأوسعها، وأكبر أبواب الكليات، بل قد يطلق على من شابه الذات من جميع الوجوه، فالذي تراه في المرآة "الآخر" وإن كان أنت، إذ إن الذات لا تتعدد والروح والمكان واحد.

ومثل هذا المصطلح لا يصلح ضابطاً في العقل واللغة، تعرف به الحدود، وتضبط به الذوات والصفات، إذ إنه لا يفسر حقيقة، ولا يبين حكماً، ولا يندرج تحته من الألفاظ ما يفسره إلا ويفقد الناطق به الحاجة إليه، فيكون من الحشو والعِي الذي يتنزه الناطق عنه.

والذي أراه أنه من أسرع المصطلحات زوالاً واندثاراً، إذ لا يقبله كل صاحب لسان ولغة مصطلحاً، أياً كانت اللغة، لأن اللغات كلها وُضعت لضبط المعاني لا إهدارها، والاستغناء بالإشارات بعيدة الإفهام إلى العبارات القريبة.

مع ما في ذلك من تسوية الطوائف والفرق الداخلة في الإسلام بغيرها، وتسوية أهل الإسلام الحق بغيرهم من المسلمين الواقعين في البدع، وهذا يُراد منه أمران باطلان:

الأول: إذابة الحق في النفوس، وإهدار مزيته، وإبطال فضله، لأن الحق يعرف فضله ومزيته وحسن عاقبته، ببيانه وبيان ضده، فإذا عُرف الحق ولم يُعرف مخالفه وحقيقة خلافه، ونوعه، قلت هيبة الحق والاعتقاد في النفوس، وكانت النفوس أقرب إلى الانتكاس والتقلب بين العقائد الباطلة التماساً للحق ورغبة فيه، لهذا حرص الإسلام على بيان العقائد المخالفة له ووَصْفها أتم الوصف، فكان أصحابه أقل الناس نكوصاً عنه، إذ أن الناكص عن معتقده أياً كان، ما تركه إلا وقد بان له من حقيقة معتقده الجديد ما غلب عقيدته الأولى، سواء بجهل أم بعلم، وهذا كما أنه في الديانات كذلك في أمور الناس وآرائهم في دنياهم.

الثاني: إبطال الأحكام المترتبة على غير الموافقين؛ لأن الحكم عليهم فرع عن معرفة حقيقتهم، وجعل غير الموافقين على درجة سواء، يُضعف النفوس، ويُبطل الأحكام، ويُورث الانهزام، لأن هذا يقتضي تكثير سواد الخصوم، وهذا ما خالفه القرآن أشد المخالفة، فكله من أوله إلى آخره، تفصيل وبيان، سواء بدلالة المنطوق أو دلالة المفهوم، تفريق بين الأعمال ومراتبها المقتضي لتفاوت العاملين بها، قال تعالى: {يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} (الأنعام:57).

أي هو خيرُ مَن بيّنَ وميّزَ بين الحق والباطل، والسبب من تمييز ذلك في قوله: {وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} (الأنعام:55).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير