تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال تعالى: {إِذ تأْتِيهم حِيتانُهم يوم سَبْتِهم شُرَّعاً ويوم لا يَسْبِتُون لا تأْتيهم} (الأعراف) 163 قيل: معناه رافعةٌ رُؤُوسَها وفي حديث أَبي موسى: «بينا نحن نَسِيرُ في البحر، والريحُ طَيِّبةٌ، والشِّراعُ مرفوعٌ» شِراعُ السفينة: ما يرفع فوقها من ثوب لِتَدْخُلَ فيه الريح فيُجْريها، وشَرَّعَ السفينةَ: جعل لها شِراعًا. ([19])

وتعريف أشرع الشيء بقولهم رفعه جدًّا: ينبهنا إلى لفظ «جدا» وهو الدال على تمام الرفع الذي يعني العلو لأن العلو هو غاية الرفع ومنتهاه، وهو المعنى الذي يدل على خصيصة العلو في الشريعة وهو تفسير قوله سبحانه: {وكلمة الله هي العليا} حيث فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» وحيث فسر الإمام مالك الحديث بقوله: سبل الله كثيرة، وما من سبيل إلا يقاتل عليها أو فيها أولها، وأعظمها دين الاسلام، لا خلاف في هذا ([20]).

الكفاية في الشريعة:

شَرْعُكَ: هذا أَي حَسْبُك، وفي حديث ابن مغفل سأَله غَزْوانُ عما حُرِّمَ من الشَّرابِ فَعَرَّفَه قال: فقلت: «شَرْعي» أَي: حَسْبي.

ويقال للنبْتِ إِذا اعْتَمَّ وشَبِعَتْ منه الإِبلُ: قد أَشرَعَتْ، وهذا نَبْتٌ شُراع.

والكفاية من خصائص الشريعة وفي ذلك قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «اتبعوا ولا تبتدعوا؛ فقد كفيتم».

عن قتادة، قال: قال حذيفة بن اليمان: «اتبعوا، ولا تبتدعوا، فقد كفيتم» ([21])

المساواة في الشريعة:

ونحن في هذا شَرَعٌ سواءٌ وشَرْعٌ واحدٌ: أَي سواءٌ لا يفوقُ بعضُنا بعضًا ([22]).

وفي الحديث: «أَنتم فيه شَرعٌ سواءٌ» أَي: متساوون لا فَضْل لأَحدِكم فيه على الآخر.

وتفسير الشرع بمعنى المساواة يدل على أن مسمى الشريعة يتضمن وقوف الناس أمامها سواء.

عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أُسَامَةَ كَلَّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي امْرَأَةٍ فَقَالَ: «إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُقِيمُونَ الْحَدَّ عَلَى الْوَضِيعِ وَيَتْرُكُونَ الشَّرِيفَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ فَعَلَتْ ذَلِكَ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» ([23])

فرائض الشريعة:

ومن معنى الشريعة يأتي معني فرائض الشريعة؛ فإذا كانت الشريعة هي عين الماء الذي يسقي منها الناس فإن الفريضة هي موضع السقية.

ومنه مَشارِعُ الماء وهي الفُرَضُ التي تَشْرَعُ فيها الواردةُ ([24]).

وفُرْضةُ النهر: مَشْرَبُ الماء منه، والجمع فُرَضٌ وفِراضٌ .. والفُرْضةُ: المَشْرَعةُ، يقال: سقاها بالفِراضِ؛ أَي: من فُرْضةِ النهر.

والفُرْضة: الثُّلْمة التي تكون في النهر.

والفِراضُ فُوَّهةُ النهر.

ومن مفردات اللغة العربية الدالة على منهجيتها ما سبق قوله في معنى الشريعة .. فإن الشريعة لغة هي مورد الماء الذي يرده الأحياء للشرب .. فيثبت من خلال المعنى التوافق بين الوحي والماء كما يثبت التوافق ضرورة الماء للحياة في قوله سبحانه:) وجعلنا من الماء كل شيء حي (. (الأنبياء) 30

وكذلك ضرورة الوحي للحياة في قوله تعالى:) يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم (فتأتى كلمة الشريعة بمعنى مورد الماء لتثبت المنهجية المتكاملة لحقائق هذا الدين.

وارتباط معنى الشريعة بالماء يثبت باعتبار الماء مثلا كونيا للوحي كما قال جاء في سورة النحل: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} وفي هذه الآية أن الكتاب نزل لتبيين الاختلاف وهدي ورحمة لقوم يؤمنون ثم جاء بعدها: {وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ}، والعلاقة بين الآيتين هي العلاقة بين الهدى وماء السماء، وهي العلاقة الثابتة في نصوص كثيرة، ومنها قول النبي صلى الله عليه والسلام: «إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيب أصاب أرضا؛ فكان منها طائفة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب والكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا ورعوا وسقوا وزرعوا، وأصابت طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك الماء ولا تنبت الكلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير