وجاء بنحوه عن أبي ذر.
وكل ما سبق مصداقٌ لقوله سبحانه وتعالى: (قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل، أن تقولوا ما جاءنا من بشير، ولا نذير، فقد جاءكم بشير، ونذير والله على كل شيء قدير) [الأنعام: 19]
ولقوله تعالى: (قد أنزل الله إليكم ذكراً، رسولاً يتلو عليكم آيات الله مبينات، ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور، ومن يؤمن بالله، ويعمل صالحاً يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار، خالدين فيها أبداً، قد أحسن الله له رزقاً) [الطلاق 10 - 11]
فما مات رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فمن ابتغ الدين الحق، وجده فيما جاء به هذا الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، ومن أعرض عنه فقد أعرض عن سعادة الوحي فهو على غير الطريق يسير نسأل الله السلامة والعافية.
القاعدة الثالثة: الأصل أن يسمى الله ويوصف بما سمى ووصف به نفسه أوسماه ووصفه به رسوله عليه الصلاة والسلام نفياً وإثباتاً.
وهذه من القواعد المجمع عليها ودليلها قوله تعالى: (ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير) [الشورى: 11]
فقوله: (ليس كمثله شيء) نفي المثيل والشبيه.
وقوله: (وهو السميع البصير) إثبات ما وصف الله به نفسه.
فكل من سمى الله أو وصفه بشئ لم يرد فيه دليل فهذا ميلان عن الصراط المستقيم، وانتقاص لما لله على الخلق، وقد ذَمَّ الله كلَّ مَنْ جَانَبَ الطريق السوي في أسماء الله وصفاته فقال جل شأنه: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها، وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون) [الأعراف: 180]
وطريقة سلف هذه الأمة في أسماء الله وصفاته الواردة في الكتاب والسنة يقوم على ركنين أساسيين:
الأول: إثباتها على ما وردت في الكتاب والسنة فهي توقيفية. الثاني: إمرارها على حقيقتها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منظومته:
وجميعُ آياتِ الصِّفاتِ أُمِرُّها ** حَقاً كما نَقَلَ الطِّرازُ الأَوَّلُ
وأَرُدُّ عُقْبَتَها إلى نُقَّالِها ** وأصونُها عن كُلِّ ما يُتَخَيَّلُ
فأهل السنة والجماعة يؤمنون بكل ما سمَّى ووصف الله نفسه في كتابه، وبما سمَّاه ووصفه به رسوله عليه الصلاة والسلام من غير تحريف، ولا تعطيل، ومن غير تكييف، ولا تمثيل.
بخلاف المبتدعة فقد غيروا وبدلوا.
فمنهم مَنْ نفى الأسماء والصفات عن الله مطلقاً كما فعلت الجهمية، ومنهم مَنْ أثبت الأسماء، ونفى الصفات كما هو مذهب المعتزلة، ومنهم من أَوَّلَ الصفات كالأشعرية وكثير من المعتزلة.
فهؤلاء – المبتدعة – هم حُثالة الخلف الذين طبع الله على قلوبهم، وطمس على أبصارهم فلا يفقهون إلا قليلاً.
أما أتباع سلف هذه الأمة فمذهبهم مذهبُ سلفهم، وهو إمرار الصفات على ظاهرها حقيقةً لعدم ما يخرجها عن هذا الأصل إلى مجاز ونحوه.
فلا يُشَبِّهُون، ولا يمثلون، ولا يكيفون، ولا يعطلون، ولا يؤلون وعلى مذهب رسول الله عليه الصلاة والسلام يسيرون، فهم القومُ لا يَشْقَى بهم جليسُهم، ولا يَملُّ مِنْ علومِهم أنيسُهُم.
وقد أحسنَ القائل:
فكلُّ خيرٍ في اتِّباعِ مَنْ سَلَفْ ** وكُلُّ شَرٍ في ابتداعِ مَنْ خَلَفْ
وكلُّ هديٍ للنبيِّ قد رَجَحْ ** فما أُبِيحَ افْعَلْ ودَعْ مَا لم يُبَحْ (3)
فإذا علمت ذلك فاعلم ما يأتي:
أولاً: أن آيات الصفات تقوم على ثلاثة أسس: الأول: تنزيه صفات الخالق عن مشابهة صفات المخلوق للأية السابقة وهي قوله تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) [الشورى: 11]
الثاني: أن يوصف الله بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله عليه الصلاة والسلام نفياً وإثباتاً فالله أعلم بصفاته من مخلوقاته، ورسوله يعلم بما عَلَّمَهُ الله بواسطة الوحي لقوله تعالى: (وما ينطق عن الهوى) [النجم: 3]
الثالث: قطع الطمع عن إدراك حقيقة الكيفية لقوله تعالى: (لا تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار، وهو اللطيف الخبير) [الأنعام: 103]
ولقوله تعالى (يعلم ما بين أيديهم،وما خلفهم، ولا يحيطون به علماً) [طه: 110]
¥