ثانياً: أن سبب نفي صفات الله هو اعتقاد التشبيه، حيث عمدت المعطلة من الجهمية والمعتزلة ونحوهما من أهل التعطيل إلى الصفات فقالوا: جاء ذكر صفاتٍ للباري في الكتاب والسنة، ولو قلنا بإثباتها للزم تشبيه الخالق بالمخلوقات فأرادوا دفع هذه الشبه الشيطانية بشبهة التعطيل، فوقعوا في الضلال المبين، ولم يتفطنوا للأصل المطرد عقلاً وهم أرباب العقول على حد زعمهم وهو: أن الإتفاق في المسميات والصفات، لا يقتضي التساوي فالفيل له صفات كثيرة تخالف ما للنملة من الصفات وتوافق في بعضها.
فهل يلزم من وجود بعض صفات النملة الموافقة لبعض صفات الفيل أن الفيل نملة والعكس؟
لا شك أن الجواب: لا ولا يقول به عاقل.
ولكن: (ومن يضلل الله فما له من هاد) [غافر: 33]
ثالثاً: أن القول في بعض الصفات كالقول في بعضها الآخر.
فالأشاعرة يثبتون الست الصفات لله تعالى المجموعة في قول أحدهم:
حيٌ عليمٌ قديرٌ والكلامُ لهُ ** إرادةٌ وكذاك السمعُ والبصرُ
ويقولون لله صفة الحياة والعلم والقدرة والكلام والإرادة والسمع والبصر ويقولون هي تليق بجلاله لا يحل تعطيلها ولا تأويلها ثم يؤولون الصفات الأخرى كالمحبة والسخط والغضب والمكر والكيد.
فيقال لهم يلزمكم إثبات بقية الصفات إذ إثبات بعضها وتأويل البعض بحجج واهية يعارض لازم العقل.
فكيف يوجد خالق يملك صفات تثبتون بعضها وتؤولون البعض الآخر، والكل وارد من مشرب واحد وهو الكتاب والسنة بالإثبات!!
فالأصل الإثبات وإلا لزم البقاء على ضلال التأويل لأن هذا مقتضى العقل طالما والأدلة هي الأدلة.
رابعاً:القول في الصفات كالقول في الذات.
فمن أقر بوجود الله أُلْزِمَ بأن يقرَّ أن له صفات تليق به، فإن العقل يقتضي أنه ممن شئ إلا وله صفات يعرف بها.
وطالما وقد عرفنا ربنا في الكتاب والسنة وكل شئ يدل على وجوده فإنه يلزمنا أن نثبت له صفاتٍ تليق بجلاله.
وقد ذكر لنا القرآن والسنة صفات عديدة يلزم إقرارها وإمرارها على ما وردت في لسان الشرع.
وإلا كيف يمكن أن نثبت وجود ذات من غير صفة لا شك أنه يستحيل عقلاً فما بال العقول مُعَطِلةٌ والأدلة متواترة صريحة؟؟!!
خامساً: أن صفات الله محكمةٌ من جهة ورودها في الكتاب والسنة، ومن حيث معرفة معناها في لغة العرب، ومتشابهة من حيث الكيف لأن الكيفَ مجهولٌ لا علم لنا به.
والكيف: أن يتخيل شخص كيفية صفات الله في الذهن وهذا ممتنع لقوله تعالى: (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم، ولا يحيطون به علماً) [طه: 110] وتوضيحاًَ لذلك: صفة الإستواء صفة محكمة لأن النقل أثبتها في الكتاب والسنة ولأنه عُرِفَ معنى الإستواء في لغة العرب بمعنى استقر وعلا ونحوها من المعاني.
فالمحكم: ما عُرِف لفظه ومعناه.
ونحن عرفنا لفظه في كتاب ربنا وسنة نبينا وعلمنا معناه في لغة العرب فهذا محكم.
والمتشابه: ما عرف لفظه وجهل معناه، ونحن عرفنا لفظه في كتاب ربنا وسنة نبينا ولكن جهلنا كيفيته والكيفية نوع من معاني الحقيقة فهذا متشابه من هذه الناحية بعينها.
سادساً: أن الله موصوف في الكتاب والسنة بالنفي والإثبات وكل منهما يكون مجملاً ومفصلاً.
فصفة الإثبات المجمل كقوله تعالى: الحمد لله رب العالمين.
فالأية دلت على صفة الحمد المطلق الغير مقيد لله عزوجل.
وصفة الإثبات المفصل ويقال له المقيد كقوله تعالى: (وهو السميع البصير).
فالسمع صفة معينة غير مجملة وكذا البصر ونحو ذلك من الصفات الواردة في الكتاب والسنة.
والنفي المجمل ويقال له المطلق كقوله تعالى: (ليس كمثله شئ).
فهذا نفي لكافة الصفات التي لا تليق بجلال ربنا من غير تعيين.
والنفي المفصل ويقال المقيد كقوله تعالى: (لا تأخذه سنة ولا نوم).
فالسنة وهي مقدمة النوم معينة والنوم معين وكلاهما من المفصل وقد نفاهما ربنا عن نفسه.
القاعدة الرابعة: المغيبات التي أخبر عنها الشرع لا تُدرك بالعقل وإنما تُدْرَك بالنقل.
¥