تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

العقلُ مقيدٌ بعالم الحس، لا عملَ له في الحكم على عالم الغيب، وذلك لأن القوة العاقلة فينا التي تجمع بين المصورة، والذاكرة والمخِيْلة والذكاء، تقوم بعملها الجبار في التحليل والتركيب، والجمع والتفريق، واستنتاج القواعد العامة، والكليات، وقياس الأشباه والنظائر على بعضها، بعد أن تنقل الحواس المختلفة إلى الصورة أشرطة مشاهداتها في الكون:

1. شريط المرئيات. 2. شريط المسموعات. 3. شريط المذوقات. 4. شريط المشمومات. 5. شريط الملموسات. 6. شريط الوجدانيات الداخلة في الإنسان.

ثم تكون أحكامها مقيدة بحدود هذه الأشياء التي جاءتها عن طريق الحواس.

وهذه القوة العاقلة فينا لا تستطيع أبداً أن تصدر أحكامها على مغيبات لم يعرض أمامها شريط مسجل عنها، لأن كل حكم تحكم به إنما تقوله وتصدره متأثرة بواقع أشرطة الحواس الخمس التي جاءتها عن طريقها.

وعالم الغيب يختلف عن عالم الحس كل الاختلاف، فلا يمكن الحكم عليها بالتشابه.

والقاعدة الثابتة عند العلماء: أن الحكم على الشئ فرعٌ عن تصوره.

فعالم الغيب لا تستطيع عقولنا أن تحكم على شئ فيه بنفي أو إثبات استقالاً ذاتياً، إلا أن يأتيها خبر يشهد العقل بإمكان وجوده، وبصدق ناقله، وعند ذلك تسلم بمضمونها تسليماً تاماً دون مناقشة أو اعتراض.

وحيث أن عالم الحس فينا محدود، فالعقل فينا محدود أيضاً، فكما أن البصر له حد ينتهي إليه فكذلك العقل له حد ينتهي إليه.

وإذا كان العقل كما أوضحنا عاجزاً عن فهم أشياء في الكون، وعاجزاً عن إدراكها والاحاطة بها بصورتها الحقيقية فهو عن إدراك صورة لحقيقة الأمور الغيبية التي هي وراء الطبيعة أضعف وأعجز (4).

فلا يمكن للعقل أن يدرك الأمور كلها وخصوصاً الشرعية وبالأخص المغيبات منها كفتنة القبر ونعيمه وجحيمه، وحوض المصطفى عليه الصلاة والسلام، والصراط الذي يمد بين الجنة والنار، والقنطرة وما إلى ذلك من المغيبات التي صحت بصرائح الكتاب والسنة الصحيحة.

فلا حيا الله الفلاسفة والمعتزلة ومَن نحى نحوهم من منكري هذه الحقائق بحجة أن العقل لا يُثْبِتُ مثل ذلك.

فليت شعري متى كان العقل يدرك كل شئ؟!!

أَوَمَا أدركت عقولهم أن حججهم واهية، وشبههم داحضة، وأفكارهم حائرة، ومدراركهم خاوية؟!!

أَوَمَا أدركت عقولهم أنهم بشرٌ لا صفاء في عقولهم، ولا استقامة في أقلامهم، ولا حقائق في أحكامهم؟!!

ولكن .. : (أتريدون أن تهدوا من أضل الله، ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلاً) [النساء: 88]

ومِنْ ثَمَّ: (ومن يرد الله فتنته، فلن تملك له من الله شيئاً، أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم، لهم في الدنيا خزي، ولهم في الآخرة عذاب عظيم) [المائدة: 41]

وهكذا حال من أعرض عن هدي رسول الله عليه الصلاة والسلام وهدي صحابته الكرام، فلا حيا الله من أعرض وتطاول.

القاعدة الخامسة: أنه يجب طاعة ولي الأمر، وإن كان فاجراً ما لم نر كفراً بواحاً عندنا فيه من الله برهان.

وأدلة هذه القاعدة كثيرةٌ لا تحصى ومنها:

1. ما أخرجه الشيخان عن جنادة بن أبي أمية قال دخلنا على عبادة بن الصامت - وهو مريض -:

قلنا: أصلحك الله، حدث بحديث ينفعك الله به سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم. قال دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه.

فقال فيما أخذ علينا: (أن بايعنا على السمع، والطاعة في منشطنا، ومكرهنا وعسرنا، ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان).

2. وأخرج مسلم في صحيحه عن وائل الحضرمي قال: سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم، ويمنعونا حقنا فما تأمرنا؟؟ فأعرض عنه، ثم سأله، فأعرض عنه، ثم سأله في الثانية أو في الثالثة فجذبه الأشعث بن قيس. وقال: (اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حُمِّلوا وعليكم ما حملتم).

3. وأخرج مسلم في صحيحه أيضاً عن أبي سلام قال قال حذيفة بن اليمان قلت: يا رسول الله إنا كنا بِشَرٍ، فجاء الله بخير، فنحن فيه. فهل مِنْ وراء هذا الخير شرٌ؟؟

قال: نعم.

قلت: هل وراء ذلك الشر خير؟

قال: نعم.

قلت: فهل وراء ذلك الخير شر؟

قال: نعم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير