ـ[المسيطير]ــــــــ[19 - 07 - 08, 08:10 ص]ـ
في كتاب الخِطط للمقريزي، وكنت قد قرأت لكم طرفاً من أخبار الأهرام التي ذكرها، وقلت لكم: في هذه الأخبار كثير من المبالغات.
فمن ذلك ما ذكر أن القبط قد دونوا في كتبهم أن على الأهرام نقش تفسيره بالعربية: (أنا سويد الملك بنيت هذه الإهرام في وقت كذا وكذا، وأتممت بناءها في ست سنين، فمن أتى بعدي وزعم أنه ملك مثلي فلهدمها في ستمائة سنة) فهذا الكلام غير مقبول معقول.
يقول: وقد علم أن الهدم أيسر من البيان، يقول: (وإني كسوتها عند فراغها من الديباج فليكسها من استطاع بالحصر) فنظروا أنه لا يقوم بهدمها شيء من الأزمان، يعني لو قعدوا آلاف السنين يهدمونها لا يستطيعون، وهذا لا شك أنه مبالغة.
والخبر الأخير ما ذكر أيضاً في خبر الأهرام أنه لما فتح المأمون فيها فجوة في واحد منها يقولون: دخلها عشرون حدثاً من الأحداث -شباب صغار أولاد صغار- دخلوا أحد الأهرام وأعدوا معهم ما يحتاجون إليه من الطعام والشراب والحبال والشمع، -ما شاء الله- المسألة رحلة، يدخلون الهرم الآن فيحتاجون إلى طعام وشراب يمكن ملابس أيضاً، فنزلوا فرأوا فيها من الخفافيش على قدر العقبان، الخفاش على قدر العقاب الطائر الضخم الكبير، أين توجد هذه الخفافيش؟ الناس دخلوا الأهرام اليوم ولا نظروا فيها هذه الخفافيش، فصارت تضرب وجوههم.
ثم إنهم أدلوا أحدهم بالحبال، يبدو أن فيه غار في الأرض فأدلوا أحدهم بالحبال فانطبق عليه المكان، فحاولوا جذبه حتى أعياهم ذلك فسمعوا صوتاً أرعبهم فغشي عليهم، ثم قاموا وخرجوا من الهرم.
فبينما هم جلوس يتعجبون مما وقع لهم إذ أخرجت الأرض صاحبهم حياً من بين ايديهم -خارج الهرم الآن- فصار يتكلم بكلام لم يفهموه بلغة أخرى، ثم سقط ميتاً فحملوه ومضوا به، فأخذهم الشرط وأتوا بهم إلى الوالي فحدثوه بالخبر، ثم سألوا عن الكلام الذي قال صاحبهم يبدو أنهم حفظوا ما قال، فقيل لهم: معناه: هذا جزاء من طلب ما ليس له، وكان الذي فسر لهم معناه بعض أهل الصعيد.
طبعاً هذه القصة متى حصلت؟ حصلت بعد عهد المأمون وفي عهد المأمون أهل الصعيد كانوا بأي لغة يتكلمون؟ كانوا يتكلمون باللغة العربية، فكيف فهموا هذا الكلام وترجموه بهذه الترجمة؟!.
فلا شك أن هذا من الأساطير.
--
يتبع بإذن الله.
ـ[أبو مشاعل]ــــــــ[19 - 07 - 08, 08:56 ص]ـ
اختيار موفق أخي المسيطر .. بارك الله فيك
ـ[المسيطير]ــــــــ[19 - 07 - 08, 12:08 م]ـ
الأخ الكريم / أبومشاعل
جزاك الله خير الجزاء، وأجزله، وأوفاه.
---
قال الشيخ الدكتور / خالد السبت حفظه الله:
من أسباب هذه المبالغات:
البساطة أحياناً، وإن شئت أن تقول: السذاجة، فإن الإنسان إذا كان بسيطاً في تفكيره وادراكه، إذا كان ساذجاً في تصوره فإنه تتضخم الأمور الصغيرة أو الأمور العادية في نظره؛ وبالتالي فإنه يبالغ في وصفها وإطرائها وذكرها وتبجيلها، كما قال القائل:
وتعظم في عين الصغير صغارها ... وتصغر في عين العظيم العظائمُ
فهذا الإنسان البسيط، هذا الإنسان الصغير إذا رأى إنساناً يحفظ حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لربما أوقع ذلك في نفسه وهماً أن هذا الإنسان قد أتى بما لم يأتِ به الأوائل.
وهكذا إذا رأى شيئاً أعجبه فإن هذا الإنسان نظراً لقصور فهمه ولقلة تجربته ولضعف إدراكه يكبّر هذه الأمور الصغيره، فتنتفش في ذهنه، ثم يعبّر عنها بالتهاويل، ولربما خلط مع كلامه لوناً من ألوان التعبيرات المصاحبة للكلام؛ أي أنه يبدي ذلك بنظرة تنبيء أيضاً عن التعظيم والتضخيم.
فأقول:
هذه مشكلة، وإذا واجهت هذه المشكلة قوماً من البسطاء، أو أنها وقعت في بيئة ساذجة، فإن هذه تجد أرضاً خصبة تترعرع فيه وتنمو، ولا تسأل عن حال هذه النبتة في تلك الأرض التي ُزرعت فيها، أو بُذرت فيها.
ولكن هذا المتكلم لو تكلم أمام عقلاء، أمام رجال يزنون الكلام بميزانه الصحيح، ويدققون في ألفاظ المتكلمين فإنه لا يستطيع بحال من الأحوال أن يروّج ذلك عليهم، بل إنه سيُعترض في كلامه لأول وهلة، ثم بعد ذلك لا يستطيع أن يواصل بنفس الطريقة؛ فما عليه إلا أن يبحث عن طريقة أخرى يتحفظ فيها في الكلام، ويتحفظ فيها في الوصف؛ فلا يذكر شيء من هذه المبالغات.
¥