تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(د) وبانتشار نُسخ فتح الباري، يقول ابن حجر أن البدرعيني" استعار من بعض الطلبة ما حصَّله منه أولاً فأولاً، و قرأ بخط البدر أنه شرع في شرحه في شهر رجب سنة عشرين وثمانمائة، وأنه توقف عن الكتابة " حتى شارف فتح الباري الفراغ فصار يستعير مِن بعض مَن كتَبَ لنفسه مِن الطلبة، فينقله إلى شرحه من غير أن ينسبه إلى مُخترعه " [23].

(هـ) أما عن رأيه في عمل البدرالعيني فإني أكتفي بتعليق واحد أشار فيه إلى أنه يأخذ كلام غيره فينسبه إلى نفسه من غير اعتذار ويقول:"وما ظننتُ أن أحداً يرضى لنفسه بذلك، وإذا تأمل مَن يُنصف هذه الأمثلة عرَف أن الرجل هذا عريضُ الدعوى بغير موجب، مُتشبِّعٌ بما لم يُعطَه، مُنتهِبٌ لمخترعات غيره؛ ينسبها إلى نفسه من غير مراعاة عاتِبٍ عليه وطاعن مِمَّن يقف على كلامه وكلام مَن أغار عليه، ولو حلَفتُ أنه لم يُخْلِ باباً من أبواب هذا الكتاب على غزارتها من شيء من ذلك لَبَرَرْتُ، وشاهدي على ذلك عِدْلٌ من كلامه نصاً لا اختصاراً، بل مُصالقةً ومُناهَبَةً، حتى إنه يغفل فينقل لفظة " قلتُ " الدالة على الاختراع له والاعتراض منه، ويكون ذلك كله لمن سبقه …" [24].

ثانيا: موقف كل من ابن حجر والعيني من غياب خطبة صحيح البخاري

1 – خطبة الصحيح وحديث " إنما الأعمال بالنيات":

أ - افتقادُ العلماء لخطبة صحيح البخاري

نالَ صحيحُ البخاري (256هـ)، إلى جانب صحيح مسلم (261هـ)، المرتبة الثانية بعد كتاب الله تعالى من حيث الصحة؛ فكان لهما حضور كبير في شريعة الإسلام على امتداد التاريخ، وسيظل لهما إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. فكانا محط أنظار العلماء على اختلاف مذاهبهم واختصاصاتهم؛ وحظيا بالشرح والتعليق والدراسة من لدن كبار علماء الإسلام. ومن الفروق بين الصحيحين أن صحيح البخاري جاء بدون خطبة، أما صحيح مسلم فله خطبة ضافية. وخطبة الكتاب أي مقدمته؛ عبارة عن خطاب يتصدر- في أغلب الحالات - كل تأليف، يُتوسل به للدخول إلى رحاب الكتاب؛ ويقوم بدور التوجيه والإخبار والاستدراج والاستكشاف والتأثير.

وحول غياب خطبة صحيح البخاري، كانت هناك تأويلات من لدن شراح صحيح البخاري، وكان الصدام بين ابن حجر والبدر العيني في تعليل ذلك الغياب.

فقد تساءل العلماء: لماذا لم يضع البخاري خطبة لصحيحه تُنبئ عن مقاصده فيه، كما هو مقرر في حركة التأليف في حركة الإسلام؛ وذلك اقتداءً بكتاب الله تعالى، وعملا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم:" كل أمر ذي بال لا يُبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع"؟ ولماذا صدَّر كتابه بترجمة بدء الوحي؟

تقرر أنه من فضائل الأعمال، ومن مظاهر الورع أن يبدأ المرء كل أمر ذي بال بالبسملة والحمدلة؛ اعتماداً على قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو هريرة، وهو:" كل أمر ذي بال لا يُبدأ فيه بالحمد فهو أقطع" [25].

وفي القرن الثالث للهجرة، حيث يبدو أن المقدمة قد استقرت في مجالات التأليف في حضارة الإسلام، وأصبحت واضحة المعالم، افتقد العلماء الخطبة في أثرين هامين:

مختصر المُزَني (إسماعيل بن يحيى 264هـ)، وهو زينة مذهب الإمام الشافعي، ولوحظ أنه لم يَفتتحه بالحمد، بل افتتحه بقوله: هذا مختصر اختصرته من علم الشافعي. وصحيح الإمام البخاري (256هـ) لم يفتتحه صاحبه بالحمد، كما لم يفتتحه بمقدمة. وبدأه هكذا: "بسم الله الرحمن الرحيم: باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

وللرد على من قال إن المُزني والبخاري لم يُسطرا لفظ الحمد في مفتتح كتابيهما، أُجيب بأن المأمور به في الحديث: القول لا الكتابة. ومن يستطيع أن يتهم الرجلين بقولهما بعدم صحة الحديث؟ أو أن يجزم بأن الرجلين لم يتلفظا بذلك أثناء بداية تأليفهما؟ يقول ابن السبكي: " وانقلاب البحر زئبقا في نظر أولي النهى أقرب من ثبوت ذلك على البخاري والمُزني" [26]. وجاء في شرح ديباجة القاموس"ولا يَقدح اكتفاءُ بعضِ الجِلَّة الأكابرِ كالمُزَني والبخاري بالبسملة؛ لمَّا أن الحمدَ في أوائل الكتب كَشُكْرٍ؛ لكونه في مقابلة النعمة الواصلة الحاصلة؛ فيُمكنُ أن يُكتفى بالقول والاعتقاد".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير